للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولإمام الأئمَّة مالكٍ في رواياتٍ كثيرةٍ، قال أبو بكرٍ الجصَّاص في «أحكام القرآن» له: المشهور عن مالكٍ إباحته، وأصحابه ينفون هذه المقالة عنه لقبحها وشناعتها، وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه. انتهى. لكن روى الخطيب عن مالكٍ من طريق إسرائيل بن رَوْحٍ قال: سألت مالكًا عن ذلك فقال: ما أنتم قومٌ عربٌ؟! هل يكون الحرث إلا موضع الزَّرع؟! لا تَعدَّوا الفرج، قلت: يا أبا عبد الله إنَّهم يقولون: إنك تقول ذلك، قال: يكذبون عليَّ، يكذبون عليَّ فالظَّاهر أنَّ أصحابه المتأخِّرين اعتمدوا على هذه القصَّة، ولعلَّ مالكًا رجع عن قوله الأوَّل، أو كان يرى العمل على خلاف حديث ابن عمر، فلم يعمل به، وإن (١) كانت الرِّواية فيه صحيحةً على قاعدته؛ ولذا قال بعض المالكيَّة: إنَّ ناقل إباحته عن مالكٍ كاذبٌ مفترٍ، ونُقِل عن ابن وهبٍ أنَّه قال: سألت مالكًا فقلت: حكوا عنك أنَّك تراه، قال: معاذ الله! وتلا: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قال: ولا يكون الحرث إلا موضع الزَّرع، وإنَّما نَسَب هذا «كتاب السِّرِّ» وهو كتابٌ مجهولٌ لا يُعتَمد عليه، قال القرطبيُّ: ومالكٌ أجلُّ من أن يكون له كتابُ سرٍّ، ومذهب الشَّافعيِّ وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد والجمهور: التَّحريم؛ لورود النَّهي عن فعله وتعاطيه، ففي حديث خزيمة بن ثابتٍ عند أحمد: «نهى رسول الله أن يأتي الرَّجل امرأته في دبرها» وحديث ابن عبَّاسٍ عند التِّرمذيِّ مرفوعًا: «لا ينظر الله إلى رجلٍ أتى امرأته في دبرها» في أحاديث كثيرةٍ يطول ذكرها، وحملوا ما ورد عن ابن عمر على (٢) أنَّه يأتيها في قبلها من دبرها، وقد روى النَّسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي النَّضر أنَّه قال لنافعٍ: «إنَّه قد أكثر عليك القول أنَّك تقول عن ابن عمر: إنَّه أفتى أن تؤتى النِّساء في أدبارهنَّ قال: كذبوا عليَّ، ولكن سأحدِّثك كيف كان الأمر: إنَّ ابن عمر عرض المصحف يومًا -وأنا عنده- حتَّى بلغ: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فقال: يا نافع هل تعلم مِنْ أمر هذه الآية؟ قلت: لا، قال: إنَّا (٣) كنَّا معشر


(١) في (د): «وإنِّما»، ولا يصحُّ.
(٢) «على»: سقط من (د).
(٣) «إنَّا»: سقط من (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>