للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كما ترى وتسمع (١)؟ ولا يكون ذلك في جميع الأوقات حتى يلزم امتلاء الدُّنيا بالصُّراخ، ولا تلك المسَّة للإغواء، وكفى بصحَّة هذا الحديث رواية الثِّقات وتصحيح الشَّيخين له من غير قدحٍ من غيرهما، وقال غيره: الحمل على طمع الشَّيطان في الإغواء صرفٌ للكلام عن ظاهره، وتكذيبٌ لظاهر الخبر، مع أنَّه لا مانع في العقل منه، وكيف تكون المحافظة عنده على قول ابن الرُّوميِّ أولى من رعاية ظاهر (٢) كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله ؟! وهو هَذَيانٌ ما أنزل الله به من سلطان! وقال في «الانتصاف»: الحديث مدوَّنٌ في الصِّحاح، فلا يعطِّله الميل إلى تُرَّهات (٣) الفلاسفة، والانتصار بقول ابن الرُّوميِّ سوء أدبٍ يجب أن يُجتَنب عنه، وقال الطِّيبيُّ: قوله: «ما من مولودٍ إلا والشَّيطان يمسُّه» كقوله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الحجر: ٤] في أنَّ الواو داخلةٌ بين (٤) الصِّفة والموصوف؛ لتأكيد اللُّصوق، فتُفيد الحصر مع التَّأكيد، فإذًا لا معنى لقوله: كلُّ من كان في صفتهما، ولا يبعُد اختصاصهما بهذه الفضيلة من دون الأنبياء، وأمَّا قوله تعالى: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٤٠] فجوابه أي: بعد أن يُمكِّنه الله تعالى من المسِّ، مع أنَّ الله تعالى يَعْصِمهم من الإغواء، وأما الشِّعر؛ فهو من (٥) باب حُسن التعليل، فلا يصلح للاستشهاد.

(ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوْا) بالواو، ولأبي ذرٍّ: «اقرؤوا» (٦) (إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [آل عمران: ٣٦]) وهذا فيه شيءٌ من حيث إنَّ سياق الآية يدلُّ على أنَّ دعاء حنَّة أمِّ مريم بإعاذتها وذُرِّيَّتها من الشَّيطان المفسَّر في الحديث بأن يُعْصَما (٧) من مسِّ الشَّيطان عند ولادتهما متأخِّرٌ عن وضعها مريم، ولم أرَ من نبَّه (٨) على هذا، والذي يظهر لي أن تكون حنَّة علمت أنوثة مريم قبل تمام وضعها عند بروزها إلى ما يُعلَم منه ذلك، فقالت حينئذٍ: إنِّي


(١) في (د): «نرى ونسمع».
(٢) «ظاهر»: ليس في (د) و (م).
(٣) في (د): «الميل لتُرَّهات».
(٤) في (ص): «في».
(٥) في (د): «فمِن».
(٦) في (د): «فاقرؤوا»، ولأبي ذرٍّ: بالواو «واقرؤوا»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
(٧) في (د): «يعصمها».
(٨) في (د): «نصَّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>