للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صحيحٌ، قال في «المصابيح»: هذه (١) الإطلاقات صعبةٌ في الأحاديث الصَّحيحة (٢)، لا سيَّما ما اجتمع على تخريجه الشيخان، ولا أدري ما هذا الوهم ولا كيف هو؟ و «لمَّا» حرف وجودٍ لوجود، أي: إنَّ مضمون الجملة الثانية وُجِدَ لأجل مضمون الأولى، كما تقول: لمَّا جاءني زيدٌ أكرمتُه، فالإكرام وُجِدَ لوجود المجيء، كذلك تلاوتُه لقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الاية [الإسراء: ٨٥] كانت لأجل وجود إنزالها، ولا يضرُّ في ذلك كون الإنزال تأخَّر عن وقت السُّؤال، وأمَّا قوله: إنَّ هذا القول إنَّما كان بعد انكشاف الوحي؛ فمُسلَّمٌ إذ هو لا يتكلَّم بالمُنزَّل عليه في نفس وقت الإنزال، وإنَّما (٣) يتكلَّم به (٤) بعد انقضاء زمن الوحي، واتحادُ زمني (٥) الفعلين الواقعين في جملتي «لمَّا» غيرُ شرطٍ، كما إذا قلت: لمَّا جاءني زيدٌ أكرمتُه، فلا يُشترط في صِحَّة هذا الكلام أن يكون الإكرامُ والمجيءُ واقعين في زمن واحد، لا يتقدَّم أحدُهما على الآخر ولا يتأخَّر، بل هذا التركيب صحيحٌ إذا كان الإكرام متعقِّبًا للمجيء، فإن قلت: لعلَّه بناه على رأي الفارسيِّ ومَن تبعه في أنَّ «لمَّا» ظرفٌ بمعنى: حين، فيلزم أن يكونَ الفعلُ الثَّاني واقعًا في حين الفعل الأول؟ قلتُ: ليس مراد الفارسيِّ ولا غيرِه مِن كونها بمعنى «حين» ما فهمته من اتحاد الزمنين باعتبار الابتداء والانتهاء، ألا ترى أنَّه يصحُّ أن تقول: جئت حين جاء زيد، وإن كان ابتداءُ مجيئِكَ في آخرِ مجيءِ زيدٍ، ومنتهاهُ بعدَ ذلك، والمشاحة في مثل هذا والمضايقةُ فيه ممَّا لم تُبْنَ لغةُ العرب عليه. انتهى. (﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾) أي: ممَّا استأئر اللهُ بعلمه، فهو مِن أمر ربِّي لا مِن أمري، فلا أقولُ لكم ما هي، و «الأمر» بمعنى: الشَّأن، أي: معرفةُ الرُّوح مِن شأن الله لا مِن شأن غيره، ولا يلزمُ مِن عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيُه، فإنَّ أكثرَ حقائق الأشياء وماهيتِها مجهولةٌ، ولم يلزم من كونها مجهولة نفيُها، ويؤيِّده قولُه تعالى: (﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ﴾) علمًا أو إيتاءً (﴿قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٨٥]) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «وما أوتوا» بضمير الغائب، وهي قراءةٌ شاذَّةٌ مرويَّةٌ عنِ


(١) في (م): «وهذه».
(٢) «الصحيحة»: مثبت من (د).
(٣) زيد في (ص): «هو».
(٤) «به»: ليس في (د).
(٥) في (د): «زمن».

<<  <  ج: ص:  >  >>