للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هدمه وجعل (١) طينًا، وأخذ في بنائه إلى أن كَمُلَ وعاد كما كان، وكلُّها حكايات (٢) حالٍ، لا تثبتُ إلَّا بنقلٍ صحيحٍ، والذي دلَّ عليه القرآنُ الإقامةُ لا الكيفيَّة، وأحسنُ هذه الأقوال: أنَّه مسحه أو دفعَه بيده فاعتدل؛ لأنَّ ذلك أليقُ بحال الأنبياء وكرامات الأولياء، إلَّا أن يصحَّ عن الشارع أنَّه هدمه وبناه، فيُصار إليه (﴿لَوْ شِئْتَ﴾) أي: قال موسى للخَضِرِ: «قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيِّفونا -كما في رواية سفيان- لو شئت» (﴿لَاتَّخَذْتَ﴾) بتشديد التاء بعدَ وصلِ الهمزة (﴿عَلَيْهِ﴾) أي: على تسوية الجدار (﴿أَجْرًا﴾ قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ) أي: جُعلًا نأكلُ به، وإنَّما قال موسى ذلك؛ لأنه كان حصل له جُهدٌ كبيرٌ مِن فَقْدِ الطعام، وخَشِيَ أن يختلَّ قوامُ البُنية البشريَّة (﴿وَكَانَ وَرَاءهُم﴾) أي: (وَكَانَ) ولأبي ذرٍّ: «وكان وراءهم ملك وكان» (أَمَامَهُمْ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَمَامَهُمْ مَلِكٌ)) وهي قراءةٌ شاذَّةٌ مخالفةٌ للمصحف، لكنَّها مفسِّرةٌ؛ كقوله: ﴿مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ﴾ [إبراهيم: ١٦] وقولِ لبيد:

أَلَيْسْ وَرَائِي إِنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي … لزومُ العَصا تَحْنَى عَلَيْها الأَصَابعُ

قال أبو عليٍّ (٣): إنَّما جاز استعمالُ «وراء» بمعنى «أمام» على الاتِّساع؛ لأنَّها جهةٌ مقابلةٌ لجهةٍ، وكانت كلُّ واحدةٍ مِنَ الجهتين وراءَ الأخرى؛ إذا (٤) لم يرد معنى المواجهة، والآية دالَّة على أنَّ معنى «وراء»: «أمام» لأنَّه لو كان بمعنى «خلف» كانوا قد جاوزوه، فلا يأخذُ سفينتَهم، قال ابن جُريج: (يَزْعُمُونَ عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ) يعني: ابن جُبير (أَنَّهُ) أي: الملِك الذي كان يأخذُ السُّفُن غصبًا اسمُه (هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ) بضمِّ الهاء وفتح الدال الأُولى، و «بُدَد»: بضمِّ الموحَّدة وفتح الدال الأولى أيضًا، مصروفٌ، ولأبي ذرٍّ: «بُدَدَ» غيرُ مصروفٍ (٥)، وحكى ابنُ


(١) كذا في (د)، وفي (ب) و (س): «ويل»، وفي (ج) و (ص) و (ل) و (م): «جبل».
(٢) في (ص): «حكاية».
(٣) في (م): «يعلى».
(٤) في (د): «إذ».
(٥) قوله: «ولأبي ذرٍّ بدد غير مصروف»: سقط من (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>