للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّهي، وبالرَّفع على النَّفي، والشَّكُّ من الرَّاوي، وكأنَّه من شيخ المؤلِّف عليٍّ (حَتَّى) أي: إلى أن (يَسْمَعَ صَوْتًا) من دبره (أَوْ يَجِدَ رِيحًا) منه، والمُرَاد: تحقُّق وجودهما حتَّى إنَّه لو كان أخشمَ لا يشمُّ أو أصمَّ لا يسمع كان الحكم كذلك، وذكرهما (١) ليس لقصر الحكم عليهما (٢)، فكلُّ حدثٍ كذلك، إلَّا أنَّه وقع جوابًا لسؤالٍ (٣)، لأنَّ المعنى: إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى، وهذا كحديث: «إذا استهلَّ الصَّبيُّ ورثَ وصُلِّي عليه» إذ لم يَرِدْ تخصيص الاستهلال دون غيره من أمارات الحياة كالحركة والنَّبض ونحوهما، وهذا الحديث فيه قاعدةٌ لكثيرٍ من الأحكام، وهي استصحاب اليقين وطرح الشَّكِّ الطَّارئ، والعلماء متَّفقون على ذلك، فمن تيقَّن الطَّهارة وشكَّ في الحدث عمل بيقين الطَّهارة، أو تيقَّن الحدث وشكَّ في الطَّهارة عمل بيقين الحدث، فلو تيقَّنهما وجهل السَّابق منهما -كما لو تيقَّن بعد طلوع الشَّمس حدثًا وطهارةً ولم يعلمِ السَّابق- فأوجهٌ، أصحُّها: إسناد (٤) الوهم لِمَا قبل الطُّلوع، فإن كان قبله محدثًا فهو الآن متطهِّرٌ لأنَّه تيقَّن أنَّ الحدث السَّابق ارتفع بالطَّهارة اللَّاحقة، وشكَّ هل ارتفع أم لا؟ والأصل بقاؤه، وإن كان قبله متطهِّرًا نُظِر، إن كان ممَّن (٥) يعتاد تجديد الوضوء فهو الآن مُحْدِثٌ؛ لأنَّ الغالب أنَّه بنى وضوءه على الأوَّل، فيكون الحدث بعده، وإن لم يَعْتَدْ فهو الآن متطهِّرٌ؛ لأنَّ طهارته بعد الحدث، وإن لم يتذكَّر ما قبلهما توضَّأ للتَّعارض، واختار في «المجموع» لزوم الوضوء بكلِّ حالٍ احتياطًا، وذكر في «شرح المُهذَّب» و «الوسيط»: أنَّ الجمهور أطلقوا المسألة، وأنَّ المُقيِّد لها المتولِّي والرَّافعيُّ، مع أنَّه نقله في «أصل الرَّوضة» عن الأكثرين، قال في «المُهمَّات»: وعليه الفتوى، وقد أخذ بهذه القاعدة -وهي العمل بالأصل- جمهور العلماء خلافًا لمالكٍ؛ حيث رُوِيَ عنه النَّقض مُطلَقًا، أو خارج الصَّلاة دون داخلها. ورُوِيَ هذا التَّفصيل عن الحسن البصريِّ، والأوَّل مشهورُ مذهب مالكٍ، قاله القرطبيُّ، وهو رواية ابن القاسم عنه، وروى ابن نافعٍ عنه: لا وضوء عليه مُطلَقًا كقول (٦) الجمهور، وروى ابن وهبٍ عنه:


(١) في (ص): «ذكرها».
(٢) في (ص): «عليها».
(٣) في (ص): «بالسُّؤال».
(٤) في (ص) و (م): «استناد».
(٥) في (م): «مما».
(٦) في (ص): «لقول».

<<  <  ج: ص:  >  >>