للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقديم، أي: لا تدخلوا إلى طعام إلَّا أنْ يُؤذَنَ لكم، أوْ لا، والثاني أَولى؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ التقديم، وحينئذٍ فالإذنُ مشروطٌ بكونه إلى طعامٍ، فلو أذن لأحدٍ أن يدخل بيوته لغير الطعام أو لبث بعد الطعام لحاجةٍ لا يجوز، لكنَّا نقول: الآية خطابٌ لقومٍ كانوا يتحيَّنون طعامَ رسول الله ، فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، فهي مخصوصةٌ بهم وبأمثالهم، فيجوزُ ولا يشترط التصريح بالإذن، بل يكفي العلم بالرضا، كما يُشعِر به قوله: ﴿إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ حيث لم يُبيِّن الفاعل مع قوله: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ (﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾) نُصِبَ عطفًا على ﴿غَيْرَ﴾ أي: لا تدخلوها غير ناظرين ولا مستأنسين، أو حالٌ مقدَّرةٌ، أي: لا تدخلوا هاجمين ولا مستأنسين، أو جُرَّ عطفًا على ﴿نَاظِرِينَ﴾ أي: غير ناظرين وغير مستأنسين، واللَّام في ﴿لِحَدِيثٍ﴾ للعلَّة، أي: لأجل أن يحدِّث بعضكم بعضًا، والمعنى: ولا طالبين الأُنسَ للحديث، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدَّثون طويلًا، فنهوا عنه (﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾) الانتظار والاستئناس (﴿كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾) لتضييق المنزل عليه وعلى أهله، وإشغاله (١) فيما لا (٢) يعنيه (﴿فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ﴾) أي: من إخراجكم، فهو من تقدير المضاف؛ بدليل قوله: (﴿وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾) أي: إن إخراجَكُم حقٌّ، فينبغي ألَّا يُترَك حياءً؛ ولهذا نهاكم وزجركم عنه، قال في «الكشاف»: وهذا أدبٌ أدَّب الله به الثقلاء، وقال السَّمرقنديُّ: في الآية حفظ الأدب، وتعليم الرجل إذا كان ضيفًا لا يجعل نفسه ثقيلًا، بل إذا أكل ينبغي أن يخرج (﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا﴾) حاجةً (﴿فَاسْأَلُوهُنَّ﴾) المتاع (﴿مِن وَرَاء حِجَابٍ﴾) أي: سترٍ (﴿ذَلِكُمْ﴾) أي: الذي شرعتُه لكم من الحجاب (﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾) من الرَّيب؛ لأنَّ العين روزنة القلب، فإذا لم تَرَ العين لا يشتهي القلب، فهو عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذٍ أظهر (٣)، وهذه آية الحجاب، وهي (٤) ممَّا وافق تنزيلُها قول عمر، كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ﴾) وما صحَّ لكم (﴿أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ﴾) أن تفعلوا شيئًا يكرَهُه (﴿وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣]) بعد وفاتِهِ أو فراقه؛ تعظيمًا له وإيجابًا لحرمته.


(١) في (د) و (م): «واشتغاله».
(٢) «لا»: سقط من (د).
(٣) في (م): «أطهر».
(٤) في (د): «وهو».

<<  <  ج: ص:  >  >>