للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقع ذلك منه تعرَّض (١) لسخطِ الله ﷿ (يَسُبُّ الدَّهْرَ) يقول إذا أصابهُ مكروهٌ: بؤسًا للدَّهر وتبًّا له (وَأَنَا الدَّهْرَُ) بالرَّفع في الفرعِ كالأصول المعتمدةِ وضبط الأكثرين والمحقِّقين، أي: أنا خالقُ «الدَّهر» (بِيَدِي الأَمْرُ) الَّذي ينسبونَه إلى الدَّهر (أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) وروي نصب الدَّهر من (٢) قوله: «أنا الدَّهرَ» أي: أقلِّب اللَّيل والنَّهارَ في الدَّهرِ، والرفع كما مرَّ أوجه، قال في «شرح المشكاة»: لأنَّه لا طائلَ تحتهُ على تقديرِ النَّصب؛ لأنَّ تقديمَ الظَّرفِ إمَّا للاهتمامِ أو للاختصاصِ، ولا يقتضِي المقام ذلك؛ لأنَّ الكلامَ مفرغٌ في شأن المتكلِّم لا في الظَّرف، ولهذا عرَّفَ الخبرَ لإفادةِ الحصرِ، فكأنَّه قيل: أنا أقلِّبُ اللَّيل والنَّهارَ لا ما تنسبونهُ إليه، قيل: الدَّهر الثَّاني غير الأوَّل، وإنَّما هو مصدرٌ بمعنى الفاعلِ، ومعناه: أنا الدَّاهر المصرِّف المدبِّر (٣) المقدِّر لما يحدثُ، فإذا سبَّ ابنُ آدمَ الدَّهر من أجلِ أنَّه فاعل هذه الأمور عاد سبُّه إليَّ لأنِّي فاعلها، وإنَّما الدَّهر زمانٌ جعلتُه ظرفًا لمواقع الأمورِ. قاله الشَّافعيُّ والخطابيُّ وغيرهما. وهذا مذهب الدَّهرية من الكفَّار، ومَن وافقَهم من مُشركِي العربِ المنكرينَ للمعادِ، والفلاسفة الدَّهريَّة الدَّوريَّة المنكرين للصَّانعِ، المعتقدين أنَّ في كلِّ ستَّةٍ وثلاثين ألفَ سنةٍ يعودُ كلُّ شيءٍ إلى ما كان عليه، وكابروا المعقولَ وكذَّبوا المنقولَ. قال ابنُ كثيرٍ: وقد غلطَ ابنُ حزمٍ ومَن نحا نحوه من الظَّاهريَّة في عدِّهم الدَّهر من الأسماءِ الحُسنى أخذًا من هذا الحديث.

وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «التَّوحيد» [خ¦٧٤٩١]، ومسلمٌ وأبو داود في «الأدب»، والنَّسائيُّ في «التَّفسير».


(١) في (م): «معرض».
(٢) في (م): «في».
(٣) قوله: «المدبر»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>