للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وَقَالَ بَعْضُهُمْ) ذاهبًا إلى حمل الآية على العمومِ: (خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا) التَّوحيد خلقَ تكليفٍ واختيارٍ، أي: ليأمرَهُم بذلك (فَفَعَلَ بَعْضٌ) بتوفيقهِ له (وَتَرَكَ بَعْضٌ) بخذلانهِ له وطردهِ، فكلُّ مخلوقٍ في الجنِّ والإنسِ (١) ميَسَّرٌ لما خُلقَ له، أو المعنى: ليطيعون وينقادُوا لقضائِي، فكلُّ مخلوقٍ من الجنِّ والإنسِ خاضعٌ لقضاءِ الله تعالى، متذلِّلٌ لمشيئتهِ، لا يملكُ لنفسهِ خروجًا عمَّا خلقَ عليه، ولم يذكرِ (٢) الملائكةَ؛ لأنَّ الآية سيقَت لبيانِ قبحِ ما يفعلهُ الكفرةُ من تركِ ما خلقوا (٣) له، وهذا خاصٌّ بالثَّقلين، أو لأنَّ الملائكةَ مندرجُونَ في الجنِّ لاستتارهِم (وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ القَدَرِ) المعتزلة على أنَّ إرادةَ اللهِ لا تتعلَّقُ إلَّا بالخيرِ، وأما الشَّرُّ فليسَ مرادًا له؛ لأنَّه لا يلزمُ من كون الشَّيءِ معلَّلًا بشيءٍ أن يكون ذلك الشَّيءُ مرادًا، وألَّا يكون غيرهُ مرادًا، وكذا لا حجَّةَ لهم في هذه الآيةِ على أنَّ أفعال العبادِ معلَّلةٌ بالأغراضِ، إذ لا يلزم من وقوعِ التَّعليلِ في موضعِ، وجوب التَّعليلِ في كلِّ موضعٍ ونحن نقولُ بجوازِ التَّعليلِ لا بوجوبهِ، أو أنَّ اللَّام قد ثبتتْ لغيرِ الغرضِ، كقوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] وقوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] (٤) ومعناه: المقارنةُ، فالمعنى هنا: قرنتُ الخلقَ بالعبادةِ، أي: خلقتُهُم وفرضتُ عليهم العبادةَ، وكذا لا حجَّة لهم فيها على أنَّ أفعالَ العبادِ مخلوقةٌ لهم لإسنادِ العبادةِ إليهم؛ لأنَّ الإسنادَ إنَّما هو من جهةِ الكسبِ.

(وَالذَّنُوبُ) في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا﴾ [الذاريات: ٥٩] لغةً (الدَّلْوُ العَظِيمُ) وقال الفرَّاء: العظيمة (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ: (﴿ذَنُوبًا﴾ سَبِيلًا) وهذا مؤخَّر (٥) بعد تاليهِ عند غيرِ أبي ذرٍّ، وفي نسخة: «سَجْلًا» بفتح السين (٦) المهملة وسكون الجيم، وزاد الفِريابيُّ عنه فقال: سجلًا من العذابِ مثل عذابِ أصحابِهم. وقال أبو عُبيدة: الذَّنوبُ النَّصيب، والذَّنوبُ والسَّجلُ أقلُّ ملئًا من الدَّلو.


(١) قوله: «مخلوق في الجن والإنس»: زيادة من (ص) و (د).
(٢) في (ص): «يذكرهم».
(٣) في (ص): «خلق».
(٤) قوله: «وقوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾»: ليست في (د).
(٥) في (ص): «يوجد».
(٦) قوله: «السين»: ليست في (م) و (ص) و (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>