للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علينا رسولُ الله سورةَ الرَّحمنِ حتَّى ختمَها، ثمَّ قال: «مَا لي أَراكُم سُكُوتًا؟ لَلْجنُّ كانُوا أحسنَ منكُم ردًّا، ما قرأْتُ عليهِم هذِه الآيةَ مِن مرَّةٍ: ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إلَّا قالوا: ولا بشيءٍ من نعمكَ ربَّنا نكذِّب، فلَكَ الحمدُ»، وقيل: المرادُ بالآلاءِ القدرةُ، وقال محمد بنُ عليٍّ التِّرمذيُّ: هذه السُّورة من بين السُّور عَلَمُ القرآنِ؛ لأنَّها سورةُ صفةِ المُلْكِ والقدرة؛ لافتتاحِها باسمهِ (١) الرَّحمن؛ ليُعلم أنَّ جميعَ ما يصفُه بعد من أفعالهِ وملكهِ وقدرتهِ خرجَ إليهم من الرَّحمةِ، ثمَّ ذكرَ الإنسانَ وما منَّ عليهِ به، ثمَّ (٢) حسبانَ الشَّمسِ والقمرِ، وسجودَ الأشياءِ ممَّا نجمَ وشجرَ، ورفعَ السَّماءِ، ووضعَ الميزانِ، والأرضِ للأنام، وخاطبَ الثَّقلين فقال سائلًا لهما (٣): ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ أي: بأيِّ قدرةِ ربِّكما تكذِّبان؟ وإنَّما كانَ تكذيبُهم أنَّهم جعلوا له في (٤) هذه الأشياءِ الَّتي خرجَتْ من قدرتهِ وملكهِ شريكًا يملكُ معه ويقدرُ معه تعالى اللهُ، وقال القُتَيْبيُّ: إنَّ الله تعالى عدَّد في هذه السُّورة نعماءهُ، وذكرَ خلقهُ وآلاءهُ، ثمَّ أتبعَ كلَّ خلَّةٍ وضعَها، وكلَّ نعمةٍ بهذهِ الآيةِ، وجعلَها فاصلةً بين كلِّ نعمتينِ، لينبِّههم على النِّعم ويقرِّرهم بها، وقال الحسين بن الفضلِ: التَّكريرُ طردٌ للغفلةِ، وتأكيدٌ للحجَّةِ. وسقطَ قوله: «﴿تُكَذِّبَانِ﴾» لغير أبي ذرٍّ.

(وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ) عُويمر بن مالك ، ممَّا وصلهُ ابن حبَّان في «صحيحه»، وابنُ ماجه في «سننه» مرفوعًا في قولهِ تعالى: (﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: ٢٩] يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ) وأخرجه البيهقيُّ في «الشعب» موقوفًا، وللمرفوعِ شاهدٌ عن ابن عمرَ أخرجه البزَّار، وقيل: يخرجُ كلَّ يومٍ عساكرَ: عسكرًا من الأصلابِ إلى الأرحامِ، وآخرَ من الأرحامِ إلى الأرضِ، وآخرَ من الأرضِ إلى القبورِ، ويقبضُ ويبسطُ، ويشفِي سَقيمًا ويسقمُ سَليمًا، ويبتلِي معافىً ويُعافِي مُبتلىً، ويعزُّ ذليلًا ويذلُّ عزيزًا. فإن قلتَ: قد صحَّ أنَّ القلمَ جفَّ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامةِ؟ فالجواب: أنَّ ذلك شؤونٌ يبديها، لا شؤونٌ يبتدِيها.


(١) في (م): «باسم».
(٢) في (م): «من».
(٣) في (د) و (ص) و (م): «لهم».
(٤) في (ب): «من».

<<  <  ج: ص:  >  >>