للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

برمضاناتِ الهجرةِ، وإن كان صيامُ شهرِ رمضانَ إنَّما فُرضَ صومه (١) بعد الهجرةِ؛ إذ إنَّه كان يسمَّى به قبلَ فرضِ صومهِ. نعم، يحتمل أنَّه لم يعارضْه في رمضان من السَّنة الأولى لوقوعِ ابتداء النُّزول فيها، ثمَّ فترَ الوحي، ثمَّ تتابعَ، وسقطَ الضَّمير من: «يلقاه» لأبي الوقتِ والأَصيليِّ (٢) فكان (يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ القُرْآنَ) أي: بعضَه أو معظمَهُ؛ لأنَّ أوَّل رمضان من البعثةِ لم يكن نزلَ من القرآنِ إلَّا بعضهُ، ثمَّ كذلك كلُّ رمضان بعده إلى الأخيرِ، فكان نزلَ (٣) كلُّه إلَّا ما تأخَّر نزولهُ بعد رمضان المذكور، وكان في سنةِ عشرٍ إلى أن توفِّي النَّبيُّ وممَّا نزلَ في تلك المدَّة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] فإنَّها نزلت يومَ عرفة بالاتِّفاق، ولمَّا كان ما نزلَ في تلكَ الأيَّام قليلًا اغتفَروا (٤) أمر معارضتهِ، فاستفيدَ منهُ إطلاقُ القرآنِ على بعضهِ مجازًا، وحينئذٍ فلو حلفَ ليقرأنَّ القرآن فقرأَ بعضَهُ لا يحنثُ إلَّا إن قصدَ كلَّه (فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ) (أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ) أي: المطلقةِ، فهو من الاحتراسِ؛ لأنَّ الرِّيح منها العقيمُ الضَّارُّ، ومنها المبشِّر بالخيرِ، فوصفهَا بالمرسلةِ ليعيِّن الثَّاني، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا (٥)[الأعراف: ٥٧] فالرِّيح المرسلة تستمرُّ مدَّة إرسالها، ولذا (٦) كان عمله في رمضان (٧) دِيمة لا ينقطعُ، وفيه استعمالُ أفعل التَّفضيل في الإسناد الحقيقيِّ والمجازيِّ؛ لأنَّ الجُود منه حقيقةٌ، ومن الرِّيح مجازٌ.

فإن قلتَ: ما الحكمةُ في تخصيصِ اللَّيل المذكورِ بمعارضةِ القرآن؟ أُجيب بأنَّ المقصودَ من التِّلاوة (٨) الحضورُ (٩) والفهمُ، واللَّيل مظنَّة ذلك بخلاف النَّهار؛ فإنَّ فيه الشَّواغل والعوارض


(١) «صومه»: ليس في (ص).
(٢) قوله: «وسقط الضَّمير من يلقاه لأبي الوقت والأَصيليِّ»: ليس في (د)، وقوله: «والأَصيليِّ»: ليس في (م).
(٣) في (ب): «نزول».
(٤) في (ج) و (ل): «اغتفروا معارضته».
(٥) وقع في الأصول: ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾ وهي في آية أخرى.
(٦) في (س): «وكذا».
(٧) قوله: «في رمضان»: ليس في (م).
(٨) في (د): «منه».
(٩) في (ص): «المقصود من الحضور» وفي الهامش: قوله: من الحضور … إلى آخره: كذا بخطه، وعبارة «الفتح»: المقصود من التلاوة الحضور والفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>