للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثانيهما: أنَّ الله هو الأحدُ في الإلهيَّة؛ إذ لو تصوِّر غيره لكان إمَّا أن يكون فوقه فيها، وهو محالٌ، وإليه الإشارة بقوله: ﴿لَمْ يُولَدْ (١)﴾ أو دونه، فلا يستقيم أيضًا، وإليه لمح بقوله: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ أو مساويًا له، وهو محالٌ أيضًا، وإليه رمز بقوله: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ويجوز أن تكون الجملُ المنفيَّة تعليلًا للجملةِ الثَّانية المثبتةِ، كأنَّه لما قيل: هو الصَّمد المعبودُ الخالقُ الرَّازق المثيبُ المعاقبُ ولا صمدَ سواهُ؛ قيل: لِمَ كان كذلك؟ أُجيب: لأنَّه ليس فوقهُ أحدٌ يمنعه من ذلك، ولا مساوٍ يعاونه (٢)، ولا دونه يستقلُّ به، وقد أخرجَ التِّرمذيُّ عن ابن عبَّاس وأنسِ بن مالكٍ قالا: قال رسولُ الله : «﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ تعدلُ نصفَ القرآنِ، و ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ تعدلُ ثلثَ القرآنِ (٣)، و ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ تعدلُ ربعَ القرآنِ».

وأخرج التِّرمذيُّ أيضًا، وابنُ أبي شيبةَ، وأبو الشَّيخ من طريقِ سلمةَ بنِ وردان عن أنسٍ: «الكافرون والنَّصر تعدلُ كلٌّ منهما ربع القرآنِ، و ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ تعدلُ ربعَ القرآنِ»، زاد ابنُ أبي شيبةَ وأبو الشَّيخ: «وآية الكرسيِّ تعدلُ ربعَ القرآنِ».

قال في «الفتح»: وهو حديثٌ ضعيفٌ لضعفِ سلمة، وإنْ حسَّنه التِّرمذيُّ، فلعلَّه تساهلَ فيه لكونهِ في فضائلِ الأعمالِ، وكذا صحَّحه الحاكم من حديثِ ابن عبَّاس، وفي سندهِ يمانُ بنُ المغيرةَ، وهو ضعيفٌ عندهم. انتهى.

وأبدى القاضِي البيضاوي الحكمةَ فقال: يحتملُ أن يقال: المقصودُ الأعظمُ بالذَّات من القرآنِ بيان المبدأ والمعادِ، و ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ مقصورةٌ على ذكرِ (٤) المعاد مستقلَّة ببيانِ أحوالهِ، فتعادِلُ نصفَهُ، وأمَّا ما جاء أنَّها ربعهُ فلأنَّه يشتملُ على تقريرِ التَّوحيد، والنُّبوَّات، وبيانِ أحكامِ المعاشِ، وأحوالِ المعاد، وهذه السُّورة مشتملةٌ على القسمِ الأخيرِ، وأمَّا الكافرونَ فمحتويةٌ على القسمِ الأوَّل منها؛ لأنَّ البراءة عن الشِّرك إثباتٌ للتَّوحيدِ، فيكون كلُّ واحدٍ منهما كأنَّه ربع.


(١) في (م): «يلد»، كذا في شرح المشكاة.
(٢) في (د): «فلا يعاونه فيها».
(٣) قوله: «و ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ تعدل ثلث القرآن»: ليس في (ص).
(٤) «ذكر»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>