للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غلطٌ (وَمَثَلُ الفَاجِرِ) أي: المنافق (الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ: كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا).

قال شارحُ «مشكاة المصابيح»: إنَّ هذا التَّشبيه والتَّمثيل في الحقيقةِ وصفٌ لموصوف، اشتملَ على معنًى معقولٍ صِرْفٍ، لا يُبْرزهُ عن مكنونهِ إلَّا تصويرُهُ بالمحسوسِ المشاهَدِ، ثمَّ إنَّ كلامَ الله المجيد له تأثيرٌ في باطنِ العبدِ وظاهرِه، وإنَّ العبادَ متفاوتونَ في ذلك، فمنهم من له النَّصيبُ الأوفرُ من ذلك التَّأثير وهو المؤمنُ القارئُ، ومنهم من لا نصيبَ له البتَّةَ وهو المنافقُ الحقيقيُّ، ومنهم من تأثَّر ظاهرهُ دونَ باطنه وهو المُرائي، أو بالعكس، وهو المؤمنُ الَّذي لا يقرؤه، وإبرازُ هذه المعاني وتصويرُهَا في المحسوساتِ ما (١) هو مذكورٌ في الحديثِ، ولم يجد ما يُوافقها ويلائمُها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك؛ لأنَّ المشبَّهاتِ والمشبَّه بها واردةٌ على التَّقسيم الحاصل؛ لأنَّ النَّاس إمَّا مؤمنٌ أو غيرُ مؤمنٍ، والثَّاني: إمَّا منافقٌ صِرْف أو ملحقٌ بهِ، والأوَّل: إمَّا مواظبٌ على القراءةِ أو غيرُ مواظبٍ عليها، فعلى هذا قس الأثمارَ المشبَّه بها، ووجه التَّشبيهِ في المذكوراتِ مركَّب منتزعٌ من أمرينِ محسوسينِ: طعمٌ وريحٌ.

ثمَّ إنَّ إثباتَ القراءةِ في قوله : «يقرأُ القرآنَ» على صيغةِ المضارع، ونفيها (٢) في قوله: «لا يقرأ» ليسَ المرادُ منهما (٣) حصولها مرَّة ونفيها بالكلِّيَّة، بل المرادُ منهما الاستمرارُ والدَّوامُ عليها، وأنَّ القراءة دأبهُ وعادتُه، أو ليسَ ذلك من هجِّيراهُ، كقولك (٤): فلانٌ يَقْري الضَّيف ويحمِي الحريم. انتهى.

وفي هذا الحديثِ فضيلةُ حاملِ القرآنِ، ومطابقتهُ للتَّرجمة من حيثُ ثبوتُ فضلِ قارئ القرآن على غيرهِ، فيستلزمُ فضلَ القرآنِ على سائرِ الكلامِ، كما فُضِّلَ الأترجُّ على سائرِ الفواكهِ، وفيه روايةُ تابعيٍّ عن صحابيٍّ، وصحابيٍّ عن صحابيٍّ، وهي روايةُ قتادةَ، عن أنسٍ، عن أبي موسَى، وأخرجهُ أيضًا في «التَّوحيد» [خ¦٧٥٦٠]، ومسلم في «الصَّلاة»، وأبو داود في


(١) زيد في (ص).
(٢) في (د) و (ص) و (م): «نفيه».
(٣) في (ص) و (م): «منها».
(٤) في (د): «كقوله».

<<  <  ج: ص:  >  >>