للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال ابنُ جِنِّيٍّ: سألتُ أبا عليٍّ الفَارسيَّ عن قولهم: نَكَحَها؟ فقال: فرَّقتِ العربُ فرْقًا لطيفًا يعرفُ به موضعُ العقدِ من الوطءِ، فإذا قالوا: نكحَ فلانٌ فلانةً، أو بنتَ فلانٍ، أو أختهُ أرادوا تزوَّجَها وعقدَ عليها، وإذا (١) قالوا: نكحَ امرأتَهُ، أو زوجتَهُ لم يريدُوا إلَّا المجامعةَ لأنَّ بذكرِ المرأةِ أو الزَّوجةِ يُستغنَى عن العقدِ، واختلفَ أصحابُنَا في حقيقتهِ على ثلاثةِ أوجُهٍ حكاهَا القاضِي حسينٌ في «تعليقته» (٢) أصحُّها: أنَّه حقيقةٌ في العقدِ، مجازٌ في الوطءِ، وهو الَّذي صحَّحَه القاضِي أبو الطَّيِّبِ وقطع به المتولِّي وغيره، واحتجَّ له بكثرةِ ورودهِ في الكتابِ والسُّنَّة للعقدِ، حتَّى قيل: إنَّه لم يردْ في القرآنِ إلَّا للعقد، ولا يردُ مثل قوله: ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] لأنَّ شرطَ الوطءِ في التَّحليلِ إنَّما ثبتَ بالسُّنَّةِ، وإلَّا فالعقدُ لا بدَّ منه لأنَّ قوله تعالى: ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ﴾ معناه حتَّى تتزوَّجَ، أي: يعقد عليها، ومفهومُه أنَّ ذلك كافٍ بمجرَّدهِ، لكن بيَّنتِ (٣) السُّنَّة أن لا عبرةَ بمفهومِ الغايةِ بل لا بدَّ بعد العقدِ من ذوقِ العُسَيلةِ. قال ابنُ فارسٍ: لم يردِ النِّكاحُ في القرآنِ إلَّا للتَّزويجِ (٤)، إلَّا قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] فإنَّ المراد (٥) به الحُلم (٦). والثَّاني: أنَّه حقيقةٌ في الوطءِ مجازٌ في العقدِ، وهو مذهبُ الحنفية. والثَّالث: أنَّه حقيقةٌ فيهما بالاشتراكِ، ويتعيَّنُ المقصودُ بالقرينةِ، كما مرَّ عن أبي علي، وذكر ابن القطَّاعِ للنكاحِ أكثرَ من ألف اسمٍ، وفوائدُهُ (٧) كثيرةٌ منها: أنَّه سببٌ لوجودِ النَّوعِ الإنسانيِّ، ومنها: قضاءُ الوطرِ بنيلِ اللَّذَّةِ والتَّمتُّعِ بالنِّعمةِ، وهذه هي الفائدةُ (٨) الَّتي في الجنةِ؛ إذ لا تناسُلَ فيها، ومنها: غضُّ البصرِ وكفُّ النَّفسِ عن الحرامِ … إلى غيرِ ذلك.


(١) في (د): «فإذا».
(٢) في (ب): «تعليقيه»، وفي (ص) و (د): «تعليقه».
(٣) في (س): «ثبتت».
(٤) في (م): «للتزوج».
(٥) في (م) و (د): «فالمراد».
(٦) في (ص): «الحكم».
(٧) في (د): «وفوائد».
(٨) في (ص): «الغاية».

<<  <  ج: ص:  >  >>