للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى ما ينافيهِ ويضعفُ دواعيهِ، والأمرُ في قوله: فليتزوج، وفي قوله: ﴿فَانكِحُواْ﴾ وإن كان ظاهرُهُما الوجوبُ إلَّا أنَّ المراد بهما الإباحة.

قال في «الأم» بعد أن قال: قال الله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ﴾ … إلى قوله: ﴿يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢] الأمرُ في الكتاب والسُّنَّة يحتملُ معانِي، أحدها (١): أن يكونَ اللهُ حرَّمَ شيئًا ثمَّ أباحهُ وكان (٢) أمرُهُ إحلالَ ما حرَّمَ. كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ﴾ [المائدة: ٢] وكقوله (٣): ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ الاية [الجمعة: ١٠] وذلك أنَّه حرَّمَ الصَّيدَ على المحرمِ، ونهى عن البيعِ عند النِّداءِ، ثمَّ أباحَهُما في وقتٍ غير الَّذي حرَّمهما فيه، كقوله تعالى: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ إلى قوله: ﴿مَّرِيئًا﴾ [النساء: ٤]. وقوله: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ﴾ [الحج: ٣٦] قال: وأشباهُ ذلك كثيرٌ في كتابِ الله وسنَّة رسولهِ ، ليسَ حتمًا أن يصطادُوا إذا حلُّوا، ولا ينتشرُوا لطلبِ التِّجارة إذا صلُّوا، ولا يأكلُ من صداقِ امرأتِهِ إذا طابَتْ به عنهُ نفسًا، ولا يأكلُ من بدنتهِ إذا نحرَهَا. قال: ويحتملُ أن يكون دلَّهم على ما فيه رشدهُم بالنِّكاح كقوله (٤): ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢] يدلُّ على ما فيه سببُ الغنَى والنِّكاح، كقوله : «سافِرُوا تَصحُّوا». انتهى.

وقد قسَّم بعضهم النِّكاحَ إلى الأحكامِ الخمسةِ: الوجوب، والنَّدب، والتَّحريم، والإباحة، والكراهة. فالوجوبُ فيما إذا خافَ العنتَ وقدرَ على النِّكاحِ، إلَّا أنَّه لا يتعيَّنُ واجبًا بل (٥) إمَّا هو وإما التسرِّي، فإن تعذَّرَ (٦) التَّسرِّي تعيَّن النِّكاحُ حينئذٍ للوجوب لا لأصلِ (٧) الشَّريعةِ. والنَّدبُ لتائقٍ يجدُ أهبتهُ. والكراهةُ لعِنِّينٍ وممسوحٍ وزمنٍ، ولو كانوا واجدين مؤنه، وعاجزٍ عن مؤنهِ غير تائقٍ له لانتفاءِ حاجتهم إليه، مع التزامِ العاجزِ ما لا يقدرُ عليه، وخطر القيام به


(١) في (م): «أحدهما».
(٢) في (ب) و (س): «فكان».
(٣) في (ب): «قوله».
(٤) في (م) و (د): «لقوله تعالى».
(٥) «بل»: ليست في (ص).
(٦) في (م) و (د): «فقد».
(٧) في (د): «الأصل».

<<  <  ج: ص:  >  >>