للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما طابَ ولذَّ من الحلالِ، ومعنى ﴿لَا تُحَرِّمُواْ﴾ لا تمنَعُوها (١) أنفسكُم كمنعِ التَّحريمِ، أو (٢) لا تقولوا: حرَّمناها على أنفُسنا مبالغة منكُم في العزمِ على تركِها تزهُّدًا منكُم وتقشُّفًا. وعن ابن مسعودٍ أنَّ رجلًا قال له: إنِّي حرَّمتُ الفراشَ، فتلا هذه الآية، وقال: نَم على فراشكَ، وكفِّر عن يمينكَ. ودُعيَ الحسنُ إلى طعامٍ ومعهُ فَرْقدٌ السَّبخيُّ وأصحابه (٣) فقعدُوا على المائدةِ وعليها ألوانٌ من الدَّجاجِ المسمَّنِ والفالوذَج وغير ذلك، فاعتزَلَ فرقدٌ ناحيةً، فسألَ الحسنُ: أهو صائمٌ؟ قالوا: لا، ولكنَّه يكرهُ هذه الألوانَ، فأقبلَ الحسنُ عليه وقال: يا فُريقِد (٤)، أترى لُعابَ النَّحلِ بلبابِ البرِّ بخالصِ السَّمنِ يعيبُهُ مسلمٌ؟ (﴿وَلَا تَعْتَدُواْ﴾) أي: لا تَتجاوزُوا الحدَّ الذي حدَّ عليكُم في تحريمٍ أو تحليلٍ، أو ولا تتعدوا حدودَ ما أحلَّ لكُم إلى ما حرَّمَ عليكُم (﴿إِنَّ اللّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: ٨٧]) حدُودَه. قال الرَّاغب: لمَّا ذكر الله تعالى حالَ الَّذين قالُوا: إنَّا نَصارى، ذكر أنَّ منهم قسِّيسينَ ورُهبانًا، فمدحَهم بذلك، وكانَت الرُّهبان (٥) قد حرَّمُوا على أنفُسهم طيِّباتِ ما أحلَّ اللهُ لهم، ورأى الله تعالى قومًا تشوَّفُوا إلى حالِهِم وهمُّوا أن يقتدُوا بهم نهاهُم عن ذلك.

فإن قلتَ: لِمَ لم يقل: واللهُ يبغضُ المعتدينَ ليكونَ أبلغَ (٦)؟ أُجيب بل (٧) المذكورُ أبلغُ لأنَّ من المعتدينَ من لا يوصفُ بأنَّ اللهَ يبغضهُ، ويوصفُ بأنَّ اللهَ لا يحبُّهُ، وهو من لم يكُن اعتداؤهُ (٨)


(١) في (ب): «تمنعوا».
(٢) في (ص): «و».
(٣) «وأصحابه»: ليس في (ص).
(٤) في (م): «فرقد».
(٥) في (س): «الرهابنة»، وفي (ص): «الرهبانيَّة»، وفي (م): «الرهبانة».
(٦) قوله: «ليكون أبلغ»: ليس في (د).
(٧) في (د): «بأن».
(٨) في (ب) و (ص): «أعداؤه».

<<  <  ج: ص:  >  >>