للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«إذا» لا تخرج عن الظَّرفية، فهي في الحديث ظرف لمحذوف هو مفعول أعلمُ، وتقديره: شأنك ونحوه (قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: «وإذا كنتِ عليَّ غضبى» (قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ) فيه الحكم بالقرائنِ لأنَّه حكم برضا عائشةَ وغضبها بمجرَّدِ ذكرها اسمه الشَّريفَ وسكوتها، واستدلَّ على كمال (١) فطنتها وقوَّةِ ذكائها بتخصيصها إبراهيم دون غيره لأنَّه أولى النَّاس به، كما في التَّنزيل، فلما لم يكن لها بدٌّ من هجر اسمه الشَّريف أبدلتْه بمن هو منه بسبيلِ (٢)، حتَّى لا تخرج عن دائرة التَّعلق في الجملة (قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ) نعم (وَاللهِ -يَا رَسُولَ اللهِ- مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ) بلفظي فقط، ولا يترك قلبي التَّعلق بذاتكَ الشَّريفةِ مودَّةً ومحبَّةً، كذا قرَّر معناه (٣) ابن المنيِّرِ. وقال في «شرح المشكاة»: هذا الحصر في غاية من اللُّطف في الجواب لأنَّها أخبرت أنَّها إذا كانت في غايةٍ من الغضب الَّذي يسلب العاقلَ اختياره لا يغيِّرها عن كمال المحبَّة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجةِ بروحها، وإنَّما عبَّرت عن التَّركِ بالهجران لتدلَّ به على أنَّها تتألَّم من هذا التَّرك الَّذي لا اختيار لها فيه، كما قال الشَّاعر:

إِنِّي لأَمْنَحُكِ الصُّدُودَ وإِنَّنِي … قَسَمًا إِلَيكِ مَعَ الصُّدودِ لَأَمْيَلُ

انتهى.

واستدلَّ به على أنَّ الاسم غير المسمَّى إذ لو كان الاسم عين المسمَّى لكانت بهجرهِ تهجر ذاته الشَّريفة، وليس كذلك، ولهذه المسألة مبحثٌ يطول استيفاؤهُ، يأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في «كتاب التَّوحيد»، إنَّه الجواد الكريم الرَّؤوف الرَّحيم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في «فضل (٤) عائشة».


(١) «كمال»: ليست في (ص).
(٢) هكذا باتفاق الأصول، قال الشيخ قطة : ولعله تحريف. انتهى. قلنا في «عون الباري»: «بسليل»، وفي «إتحاف السادة المتقين»: «بمثيل».
(٣) «معناه»: ليست في (م).
(٤) في (م): «فضائل».

<<  <  ج: ص:  >  >>