للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: «الَّتي» (أَسْأَمُ) أي: أَمَلُّ، واستدلَّ به على جواز رؤية المرأة إلى الأجنبيِّ (١) دون العكس، ويدلُّ له استمرار العملِ على جوازِ خروج النِّساء إلى المساجدِ والأسواقِ والأسفار (٢) متنقباتٌ لئلَّا يراهن الرِّجالُ، ولم يؤمر الرِّجال قطُّ بالانتقابِ لئلَّا يراهُم (٣) النِّساء، فدلَّ على اختلاف الحكم بين الفريقينِ، وبهذا احتجَّ الغزاليُّ للجواز فقال: لسنا نقول: إنَّ وجه الرَّجل في حقِّها عورة كوجه المرأةِ في حقِّه، فيحرم النَّظر عند خوف الفتنةِ فقط، وإن لم تكن فتنةٌ فلا، إذ لم تزل الرِّجال على ممرِّ الزَّمان مكشوفي الوجوهِ، والنِّساءُ يخرجنَ منتقبات، فلو استووا لأُمِر الرِّجال بالتَّنقُّب أو منعنَ من الخروج. انتهى.

وقال النَّووي: نظرُ الوجهِ والكفَّين عند أمن الفتنة من المرأةِ إلى الرَّجلِ وعكسه جائزٌ، وإن كان مكروهًا لقوله تعالى في الثانية: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] وهو مفسَّر بالوجهِ والكفَّين، وقيس بها الأولى، وهذا ما في «الرَّوضة» عن أكثر الأصحابِ، والَّذي صحَّحه في «المنهاج» التَّحريم، وعليه الفتوى، وأمَّا نظرُ عائشة إلى الحبشةِ وهم يلعبون فليس فيه أنَّها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنَّما نظرت إلى لعبِهم وحرابهم، ولا يلزم منه تعمُّد النَّظر إلى البدن، وإن وقع بلا قصدٍ صرفته في الحال، مع أنَّ ذلك كان مع أمن الفتنة، أو أنَّ عائشة كانت صغيرةً دون البلوغِ، ويدلُّ لها قولها: (فَاقْدُرُوا) بضم الدال المهملة، أي: فانظُروا وتدبَّرُوا (قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ) الغير البالغةِ (الحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ) ومصابرة النَّبيِّ معها على ذلك، لكن عورض بأنَّ في بعض طرقه أنَّ ذلك بعد قدوم وفد الحبشة، وأنَّ قدومهم كان سنة سبعٍ، ولعائشة يومئذ ستَّ عشرة سنةً، فكانت بالغةً. نعم، احتجَّ المانعون بحديث أمِّ سلمة المشهور حيث قال : «أفعمياوان أنتما؟» وهو حديث أخرجه أصحاب السُّنن من رواية الزُّهريِّ عن نبهان مولى أمِّ سلمة عنها، وإسناده قويٌّ. قال في «الفتح»: وأكثر ما علل به انفرادُ الزُّهريِّ بالرِّواية عن نبهان، وليست بعلةٍ قادحةٍ؛ فإنَّ من يعرفه الزُّهريُّ ويصفه بأنَّه مكاتبُ أمِّ سلمة ولم يجرحه أحد لا تردُّ روايته.


(١) كذا في الأصول الخطية.
(٢) «والأسفار»: ليست في (م).
(٣) في (س): «يراهن».

<<  <  ج: ص:  >  >>