للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنَّها حُسبت عليه بتطليقةٍ، فكيف يجتمعُ هذا مع قوله: إنَّه لم يعتدَّ بها، ولم يرها شيئًا، على المعنى الَّذي ذهب إليه المُخالف لأنَّه إن جعل الضَّمير للنَّبيِّ لزم منه أنَّ ابنَ عمر خالفَ ما حكمَ به النَّبيُّ في هذه القصَّة بخصوصِها لأنَّه قال: إنَّها حُسبت عليه بتطليقةٍ، فيكون مَن حسبها عليه خالفَ كونه لم يرها شيئًا، أوَكيف يُظنُّ به ذلك مع اهتمامهِ واهتمام أبيه بسؤالِ النَّبيِّ عن ذلك ليفعلَ ما يأمره به، وإن جعل الضَّمير في: «لم يعتدَّ بها» أو (١) «لم يرها» (٢) لابن عمر لزم منه التَّناقض في القصَّة الواحدة، فيفتقرُ إلى التَّرجيح، ولا شكَّ أنَّ الأخذَ بما رواه الأكثرُ والأحفظُ أولى من مُقابله عند تعذُّر الجمعِ عند الجمهور، وأمَّا قول ابن القيِّم في الانتصار لشيخه: لم يرد التَّصريح بأنَّ ابنَ عمر احتسبَ بتلك التَّطليقة إلَّا في رواية سعيدِ بن جُبير عنه عند البخاريِّ، وليس فيها التَّصريح بالرَّفع، قال: فانفراد سعيد بن جُبيرٍ بذلك كانفرادِ أبي الزُّبير بقوله: لم يرها شيئًا، فإمَّا أن يتساقطا، وإمَّا أن تُرجَّح رواية أبي الزُّبير لتصريحهَا بالرَّفع، وتحملُ رواية سعيد بن جُبيرٍ: على أنَّ أباه هو الذي حسبها عليه بعد موتِ النَّبيِّ في الوقت الَّذي ألزمَ النَّاس فيه بالطَّلاق الثَّلاث بعد أن كانوا في زمنِ النَّبيِّ لا يحتسب عليهم به ثلاثًا إذا كان بلفظٍ واحدٍ.

وأُجيب بأنَّه قد ثبت في مسلم من رواية أنس بنِ سيرين: سألتُ ابن عمر عن امرأتهِ الَّتي طلَّقها وهي حائضٌ، فذكر ذلك عمر للنَّبيِّ فقال: «مُرهُ فليُراجعْهَا، فإذَا طهُرَتْ فليُطلِّقهَا لطُهْرهَا» قال: فَراجعتها ثمَّ طلَّقتها لطهرها، قلت: فاعتددت بتلك التَّطليقة وهي حائضٌ، فقال: ما لي لا أعتدُّ بها وإن كنتُ عجزتُ واستحمقتُ. وعند مسلمٍ أيضًا من طريق (٣) ابن أخي ابنِ شهابٍ، عن عمِّه، عن سالمٍ -في حديث الباب-: وكان (٤) ابنُ عمر طلَّقها تطليقةً فحُسبتْ من طلاقها، فراجعَها كما أمره رسول الله . ففيه موافقةُ أنس بن سيرين سعيد ابن جُبيرٍ، وأنَّه راجعها في زمنه ، قاله في «فتح الباري».

وما في الحديث من الفوائد لا يخفى على مُتأمِّلٍ، والله الموفِّق.


(١) كذا في (م) و (ص)، وفي (ب) و (س): «و».
(٢) «أو لم يرها»: ليست في (د).
(٣) في (م) و (د): «حديث».
(٤) في (د): «وقال».

<<  <  ج: ص:  >  >>