للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَرَامًا) بالتَّصريح (بِالطَّلَاقِ وَالفِرَاقِ) بأن يتلفَّظ بأحدهما أو يقصدُه، فلو أطلق (١) أو نوى غير الطَّلاق فهو محلُّ النَّظر، وقال صاحب «المصابيح» من المالكيَّة: يعني: فإذا كانت الثَّلاث تحريمًا كان التَّحريم ثلاثًا. قال: وهذا غير ظاهرٍ لجواز أن يكون بينهما عمومٌ وخصوصٌ، كالحيوان والإنسان، وحاول ابن المنيِّر الجواب عن البخاريِّ بأنَّ الشَّرع عبَّر عن الغاية القصوى بالتَّحريم، وإنَّما يشبَّه (٢) الشَّيء بما هو أوضح منه، فدلَّ ذلك على أنَّ الَّذين كانوا لا يعلمون أنَّ الثَّلاث محرَّمة ولا أنَّها الغاية يعلمونَ أنَّ التَّحريم هو الغايةُ، ولهذا بيَّن لهم أنَّ الثَّلاث تحرِّم، فالمستدلُّ به في الحقيقة إنَّما هو الإطلاق مع السِّياق، وما من شأن العرب أن تعبِّر بالعامِّ عن الخاصِّ، ولو قال القائل لإنسانٍ بين يديه يُعَرِّف بشأنه، وينبِّه على قدرهِ: هذا حيوانٌ لكان متهكِّمًا مستخفًّا، فإذا عبَّر الشَّرع عن الثَّلاث بأنَّها محرَّمة، فلا يحمل على التَّعبير عن الخاصِّ بالعام لئلَّا يكون ركيكًا، والشَّرع منزَّهٌ عن ذلك، فإذن هما سواءٌ لا عمومَ بينهما، ويدلُّ هذا على أنَّ التَّحريم كان أشهرَ عندهم بالغلظِ والشِّدَّة مِن الثَّلاث، ولهذا فسَّره لهم به. قال: وهذا من لطيفِ الكلام، وأمَّا كون التَّحريم قد يقصرُ عن الثَّلاث فذلك تحريمٌ مقيَّدٌ، وأمَّا المطلق منه فللثلاث، وفرق بين ما يُفهم لدى الإطلاق وبين ما لا يُفهم إلَّا بقيدٍ. انتهى.

وتعقَّبه البدرُ فقال: قوله: وما من شأن العرب أن تعبِّر بالعامِّ عن الخاصِّ (٣) مشكلٌ، اللَّهمَّ إلَّا أن يريدَ في بعض المقاماتِ الخاصَّة فيمكن، وسياقُ كلامهِ يُفْهم ذلك عند التَّأمُّل. انتهى.

وقول (٤) ابن بطَّال: إنَّ البخاريَّ يرى أنَّ التَّحريم يُنَزَّلُ منزلة الطَّلاق الثَّلاث للإجماع على أنَّ من طلَّق امرأته ثلاثًا أنَّها (٥) تحرم عليه، فلمَّا كانت الثَّلاث تحرِّمها كان التَّحريم ثلاثًا، ومن ثمَّ أورد حديث رفاعة محتجًّا به، لذلك تعقَّبه في «الفتح» فقال: الَّذي يظهرُ من مذهب البخاريِّ أنَّ


(١) في (م): «طلق».
(٢) في (ب) و (س): «وأما تسمية».
(٣) في (ب): «بالخاص عن العام»، وفي (د): «عن العام بالخاص».
(٤) في (م) و (د): «قال».
(٥) «أنها»: زيادة من (م)، وفي (ص): «فإنها».

<<  <  ج: ص:  >  >>