للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(﴿إِلاَّ رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١]) أي: (إِلَّا إِشَارَةً) وسقطَ لغير أبي ذرٍّ لفظ «إلَّا» واستثنى الرَّمز وهو ليس من جنسِ الكلام لأنَّه لمَّا أدَّى مؤدَّى الكلام وفهم منه ما يُفهم منه سمِّي كلامًا، وهو استثناءٌ منقطعٌ.

(وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) أي: الكوفيُّون مناسبةً لقوله وهو قول بعض أهلِ (١) الحجاز: (لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) بالإشارة من الأخرسِ وغيره إذا قذف زوجتَه وهو مذهبُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهذا نقضه البخاريُّ بقوله: (ثُمَّ زَعَمَ) الكوفيُّون أو الحنفيَّة (أَنَّ الطَّلَاقَ) إن وقع (بِكِتَابٍ) من المطلِّق (أَوْ إِشَارَةٍ) منه بيده (أَوْ إِيمَاءٍ) بنحو رأسه من غير كلامٍ (جَائِزٌ) فأقام ذلك مقامَ العبارة (وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالقَذْفِ فَرْقٌ، فَإِنْ قَالَ) أي بعض النَّاس: (القَذْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِكَلَامٍ قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ الطَّلَاقُ لَا يَجُوزُ) لا يقع، ولأبي ذرٍّ: «لا يكون» (إِلَّا بِكَلَامٍ) وأنت وافقتَ على وقوعهِ بغير كلامٍ، فيلزمكَ مثله في اللِّعان والحدِّ (وَإِلَّا) بأن لم تعتبر الإشارة فيها كلِّها (بَطَلَ الطَّلَاقُ وَالقَذْفُ وَكَذَلِكَ العِتْقُ) بالإشارة، وحينئذٍ فالتَّفرقة بين القذف والطَّلاق بلا دليلٍ تحكُّم، وأجاب الحنفيَّة بأنَّ القذفَ بالإشارة ليس كالصَّريح بل فيه شبهةٌ والحدودُ تدرأُ بها، ولأنَّه لا بدَّ في اللِّعان من أن يأتِي بلفظ الشَّهادة حتَّى لو قال: أحلفُ مكان أشهدُ لا يجوزُ، وإشارته لا تكون شهادةً، وكذلك إذا كانت هي خرساء لأنَّ قذفَها لا يوجبُ الحدَّ لاحتمالِ أنَّها تصدِّقه (٢) لو كانت تنطقُ، ولا تقدرُ على إظهارِ هذا التَّصديق بإشارتها، فإقامةُ الحدِّ مع الشُّبهة لا يجوزُ (٣). انتهى. وأجابَ السَّفاقسيُّ بأنَّ المسألةَ مفروضةٌ فيما إذا كانت الإشارةُ مفهمةً إفهامًا واضحًا لا يبقى معه ريبةٌ (وَكَذَلِكَ الأَصَمُّ يُلَاعِنُ) إذا أشيرَ إليه وفهم (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ) عامر بن شراحيل (وَقَتَادَةُ) بن دِعامة السَّدوسيُّ فيما وصله ابنُ أبي شَيبة: (إِذَا قَالَ) الأخرسُ لامرأته: (أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ تَبِينُ) تطلَّق (مِنْهُ) طلاقًا بائنًا (بِإِشَارَتِهِ) بأصابعهِ الثَّلاث البينونة الكبرى، وأرادَ بقوله: «إذا قال» القولَ باليدِ فأطلقَ القولَ على الإشارةِ، أو المراد قول النَّاطق: أنت طالقٌ، وإشارتُه للعددِ (٤) بالطَّلاق كما مرَّ تقريرهُ في أوَّل الباب الَّذي قبل هذا.

(وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) النَّخعيُّ ممَّا وصله ابنُ أبي شيبة: (الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ)


(١) «أهل»: ليست في (ب).
(٢) في (د): «تصدق».
(٣) في (ب) و (س): «تجوز».
(٤) في (ص): «بالعدد».

<<  <  ج: ص:  >  >>