للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والشين المعجمة، أي: تتحرَّك وتمتدُّ (فِي) نواحي (الصَّحْفَةِ) ولا تقتصرُ على موضعٍ واحدٍ، وكان الظَّاهر -كما قال في «شرح المشكاة» - أن يقال: كنتُ أطيشُ بيدِي في الصَّحفة، فأسندَ الطَّيش إلى اليدِ (١) مبالغةً، وأنَّه لم يكنْ يراعِي أدبَ الأكل (فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ : يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ) ندبًا طردًا للشَّيطان ومنعًا له من الأكلِ، وهو سنَّة كفايةٍ إذا أَتى به البعضُ سَقطَ عن الباقين كردِّ السَّلام وتشميتِ العاطسِ لأنَّ المقصودَ من منعِ الشَّيطان من الأكلِ يحصل بواحدٍ. نعم، مع ذلك يستحبُّ لكلِّ واحدٍ، بناءً على ما عليه الجمهورُ من أنَّ سنَّة الكفايةِ كفرضها مطلوبةٌ من الكلِّ لا من البعضِ فقط.

ويقاسُ بالأكلِ الشُّرب وأقلُّه -كما قال (٢) النَّوويُّ-: بسم الله، وأفضلُه بسم الله الرحمن الرحيم، لكن قال في «الفتح»: إنَّه لم ير لما ادَّعاه من الأفضليَّة دليلًا خاصًّا. انتهى. فإن تركَه ولو عمدًا في أوَّله قال في أثنائه: بسم الله أوَّله وآخره كما في الوضوء، ولو سمَّى مع كلِّ لقمةٍ فهو أحسنُ حتَّى لا يشغله الشَّره عن ذكرِ الله، فتسميةُ الله تعالى في أوَّله وآخرهِ ترياقٌ وبركةٌ لطعامه. وقال في «الإحياء»: إنَّه يستحبُّ أن يقولَ مع الأولى بسم الله، ومع الثَّانية بسم الله الرحمن، ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم، وتعقَّبه في «الفتح» بأنَّه لم ير لاستحبابِ ذلك دليلًا. انتهى.

(وَكُلْ) ندبًا (بِيَمِينِكَ) لأنَّ الشَّيطان يأكل بالشِّمال، ولشرفِ اليمين (٣)، ولأنَّه (٤) أقوى في الغالب وأمكن، وهي مشتقَّة من اليمن، فهي وما نسبَ إليها وما اشتقَّ منها محمودٌ لغةً وشرعًا ودينًا ويقاسُ عليه الشُّرب. ونصَّ الشَّافعيُّ في «الرِّسالة» و «الأم» على الوجوبِ لورود الوعيدِ في الأكلِ بالشِّمال، ففي «صحيح مسلم» من حديث سلمة ابنِ الأكوع: أنَّ النَّبيَّ رأى رجلًا يأكلُ بشمالهِ فقال: «كلْ بيمينِكَ» قال: لا أستطيعُ، فقال: «لا استطعتَ» فما رفعَها إلى فيهِ بعدُ.

(وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) لأنَّ أكلَه من موضعِ يد صاحبهِ سوءُ عِشْرة وترك مودَّة لتقذُّرِ (٥) النَّفس لا سيَّما


(١) في (م): «يد».
(٢) في (د): «قاله».
(٣) في (د): «يأكل بالشمال ويقاس عليه الشرب وأشرب باليمين»، ولعله سبق نظر.
(٤) في (د): «لأنها».
(٥) في (ج): «لتقزز».

<<  <  ج: ص:  >  >>