المومى أتليه، وانتقل إليها ولم تزل تحت توليته ومحل إقامته وتدريسه، إلى أن توفي يوم السبت تاسع عشر جمادى الثانية سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف، ودفن في تربة مرج الدحداح وقبره ظاهر مشهور يزار ويتبرك به، وخلفه في التولية على المدرسة المرقومة والتدريس بها أولاده السادات عبد الرحمن أفندي وعلي أفندي وإسماعيل أفندي، ولم يزل ذلك ينتقل في أولاده إلى أن آل ذلك إلى المترجم المومى إليه أطال الله بقاه، فلقد أحيا مآثر من سلف، وكان لهم خير خلف، ولقد كنت مدحته بهذه الأبيات وإن كانت بمقامه فير وافية، فأحببت ذكرها في هذه الترجمة السامية وهي:
يا عذولي إليك عني فدائي ... بهوى الغيد قد غدا متنائي
خل عذلي واعذر فتى ذا عناء ... بفتاة تسبي النهى عذراء
قد سئمت الغرام بعد هيامي ... ونبذت الهوى لجلب هنائي
إن أهل الهوى لكل هوان ... وامتحان ونكبة وبكاء
وحنين وزفرة وصدود ... وعذاب لاذقته وشقاء
ليت شعري وهل ترى كل هذا ... ذات حسن شيئاً من الأشياء
ظن قومي بأن داء غرامي ... مستديم إلى حلول عزائي
مذ رأوا علتي وقد لاح للمو ... ت عليها أدلة الحكماء
فغدا يخلص الغرام إلى أن ... بت منه مجملاً بشفائي
إن هذا لمذهب فيه قلبي ... قد تهنى وذاك فيه بلائي
طالما نصلة القدود فرتنى ... وسيوف اللحظ اعترت أحشائي
قل لساجي للعيون يعنى معنى ... بورود الخدود ذات الصفاء
ولذات الدلال تختار صبا ... ما صبا للتأنيب والنصحاء
قد كفاني ما ذقت من حر وجدى ... وشفاني الإله من لأوائي
يا شبيه القناة قداً ولينا ... كم أطلت الجفا تروم شقائي