وبين أهل الأرياف محاربات كثية حتى ملكوهم كلهم، وصاروا يتبعون الأمراء من المماليك ويقتلون من ظفروا به، وحضرت مراكب إلى السويس فيها أموال وبضائع للشريف غالب، فمسحوا عن عشورها وحصل بينه وبينهم مكاتبات ومهاداة بهدايا عندهم، ووضعوا الشيخ العريشي قاضياً للمسلمين يحكم بالشرع، وتوجه بانوبارته إلى بلاد الفرنسيس سنة أربع عشرة وجعل ساري عسكرهم نائباً عنه بمصر، ثم ترقى بونابارته حتى صار ملكاً على كافة الفرنسيس. وفي شهر رجب من سنة أربع عشرة جاء جيش من السلطان سليم يقوده يوسف باشا ومعه نصوح باشا جعلوه والياً على مصر، وهو الذي يقال له أيضاً ناصف باشا، وسار من جهة الشام حتى وصلوا إلى العريش، فاستعد الفرنسيس لقتالهم وخرج بجنوده إلى الصالحية، ثم توسط الإنكليز بالصلح على شروط كثيرة، منها أن الفرنسيس يتنحى عن الديار المصرية بعد ثلاثة أشهر، ففي تلك المدة صار الناس يحتقرونهم يسخرون بهم، ويقول بعضهم لبعض سنة مباركة ويوم سعيد بذهاب الكلاب الكفرة، كل ذلك بمشاهدة الفرنسيس وهم يحقدون ذلك عليهم، وكشف همج الناس نقاب الحياء معهم بالكلية، وتطاولوا عليهم بالسب واللعن والسخرية ولم يفكروا في عواقب الأمور، حتى إن فقهاء الأطفال كانوا يجمعون الأطفال ويمشون فرقاً وطوائف وهم يجهرون ويقولون كلاماً مقفى بأعلى أصواتهم يلعن النصارى وأعوانهم وأفراد رؤسائهم، كقولهم ينصر الله السلطان ويهلك فرط الرمان. ولم يملكوا لأنفسهم صبراً، حتى تنقضي الأيام المشروطة، على أن ذلك لم يثمر إلا الحقد والعداوة التي تأسست في قلوب الفرنسيس، وأخذ الفرنساوية في أهبة الرحيل، وشرعوا في بيع أمتعتهم وما فضل من سلاحهم ودوابهم، وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصالحية وبلبيس ودمياط والسويس. ثم إن العثمانيين تدرجوا في دخول مصر وصار كل يوم يدخل منهم جماعة