في الأموي سنة ألف ومائة وخمس وثمانين بعد وفاته، فأقرأ في ذلك الوقت كتباً عديدة يأتي ذكرها، آخرها صحيح مسلم، قرأ منه نحو الثلثين، ثم قطع لضعف عرض له في بصره، ثم أتمه في داره.
وكانت عليه وظيفة التدريس في مدرسة سليمان باشا العظم، فأقرأ فيها كتباً كثيرة، منها صحيح مسلم وسنن أبي داود وتفسير البيضاوي والتحفة على المنهاج وغير ذلك.
وفي سنة عشر جاءته قبة النسر تسعى من غير طلب وفوق منبرها بلبل فصاحته خطب. فشرع بقراءة الجامع الصحيح، ورشح جيد الفضلاء بأجيد توشيح، وأنار مصابيح الجامعين، وأبدى ما تشنف به الآذان وتقر به العين. وهو في الثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان من كل عام. وكان درساً عظيماً جامعاً لكل خاص وعام، مضماراً لفرسان أذهان الأعلام، وقد أشرت إلى ذلك في ضمن موشحة كنت تطفلت بها على مدح جنابه، والوقوف في أبوابه وأعتابه. حيث قلت:
من به قبة ذاك الجامع ... لم تزل في كل عام تسعد
حين يروي في الصحيح الجامع ... لحديث المصطفى أو يسند
يا له من خير درس جامع ... ولأهل العلم فيه مشهد
فكأن الوجه منه حينما ... ينثر الدر على الملتمس
قمر عن جانبيه العلما ... كنجوم أشرقت في الغلس
وقد وصل الآن فيه إلى باب الشهادات، وذلك مقدار ثلث الكتاب توفي رضي الله تعالى عنه ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف في داره الكائنة في محلة الشاغور، وصلى عليه ولده ضحوة النهار من ذلك اليوم في الجامع الأموي المعمور، ودفن بتربة باب الصغير.