مخالفة للمحسوس أو لظواهر النصوص، أو لبلوغه في الحد مبلغاً يخرجه عن حده، فإن لكل شيء حداً، صرحوا بأن أحاديث البلدان لم يثبت منها إلا نزر يسير، وحذروا من أحاديثها غاية التحذير، وصرحوا بأنه لا يجوز أخذ حديث من أي كتاب كان، بل اشترطوا شروطاً يعرفها النبيل الخبير، وفي هذا المقام مهامه فسيحة يتيه فيها القطا ويحتاج معانيها إلى عون الملك الخبير.
القصد في ذكر الحديث الذي ورد علي في فضل عكا وليس هو عندي وقت هذه الكتابة، وإنما مضمونه أنها بلد على جبلين فمن دخلها رغبة فيها غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن خرج منها رغبة عنها لم يبارك له في خروجه، وبها عين من شرب منها أو اغتسل فيها فهو طاهر إلى يوم القيامة، أقول: أما أولاً فبرودة هذه المعاني لا تخفى على الممارس المعاني، وأما ثانياً فقد اشتمل هذا الحديث على أمور فاسدة، كونها على جبلين كذب ومين، فإني دخلتها وهي شهيرة عند الناس بينها وبين الجبال بون بعيد، وكون الداخل إليها رغبة فيها ينال تلك المغفرة التامة لا يصح، لأنه لم يثبت فيما هو أفضل منها بالنصوص القواطع، فكيف يثبت فيما لا فضل له أصلاً، ومما يؤيد ذلك قول المنلا علي القارئ في آخر كتابه في الموضوعات لما أورد حديثاً مضمونه أن الصلاة في بيت المقدس بخمسين ألفاً أن هذا الفضل محال، وإن روي في سنن ابن ماجه، فإن الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت فيها هذا الفضل، فكيف يثبت في بيت المقدس، قال وإنما الذي ثبت في بيت المقدس أن الصلاة بخمسماية، فإذا تأملت ما قرره المنلا علي رحمه الله تعالى، علمت أن مدعي هذه المغفرة يحتاج إلى مغفرة لقرينه مكفرة، وأما دعوى أنه أمر جائز في العقول، وقد لا يثبت للأفضل شيء ويثبت للمفضول، فجوابه أن السنة وفضائلها لا تثبت بتجويز العقول، وشهد لما قلناه ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتحه، أن كل احتمال لا يقبل في