وأما الحديث الطويل الذي آخره: واختار من العيون أربعاً، فذكر فيها عين عكا، فقد قال السيوطي وابن عراق وصاحب مثير الغرام منكر بالمرة. وهذا صاحب مثير الغرام وصاحب الأنيس الجليل، قد ذكرا فضائل مدن الشام على ما فيها، ولم يذكرا لعكا فضيلة مع أنهما بهذا الصدد، فلو ثبت لها أدنى فضيلة لطرزا بهما كتابيهما، فإنهما لم يصنعا كتابيهما إلا لنشر المحاسن الشامية، وأي محاسن أعظم من غفران الذنوب وطهارة الأبد؟ لا جزى الله الواضعين خيراً في الدنيا والآخرة، الذين ينسبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يليق بمنصب الفضلاء، فضلاً عن مقام سيد الأنبياء.
الخاتمة: لا يهولنك ويعظم عليك قولنا سابقاً لا يغتر بذكر الجوهري وصاحب المختار فتقول هذه جرأة على الجهابذة الأخيار، فاعلم أنه ليس كل قيل يقال، ولا كل ميدان تجول فيه الرجال، فكم من همام جهبذ في علم لا قدر له في علم الآخر، وهذا القاضي البيضاوي سيد المحققين قد أودع تفسيره أحاديث السور، وغالبها موضوع بإجماع المحدثين أهل النظر، وهذا الجلال المحلي على جلالة محله، نقل حديث أنا أفصح من نطق بالضاد، وكذا شيخ الإسلام تلميذه، وهو موضوع عند النقاد، ولو تتبعنا أمثال هذه لأسهبنا وأبعدنا كل الابعاد. ولقد كنت نظمت أبياتاً قبل هذه الرسالة، فأحببت ذكرها لتتميم المقالة وهي:
أقول لأرباب الحديث تبصروا ... حديثي فقولي عندكم غير مفترى
أحاديث عكا لا يشك بأنها ... أباطيل لا تعزى إلى سيد الورى
كقزوينهم السكندرية مثلها ... ومرو، ولو كان الحديث مسطرا
وما صاحب المختار يروى حديثه ... ولا الجوهري من بالصحاح تجوهرا
وأما الإمام الحال مجد زمانه ... فذاك من الحفاظ ممن لها درى
وها الرافعي مع مجده ورسوخه ... بتدوينه المعروف يرويه من قرا
أفاد أحاديثاً لقزوين مدحة ... فزيفها الأعلام ممن رقى الذرى