ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه، ويحكي لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات، فازداد اعتقاد الناس فيه. وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه، وتردد عليهم وترددوا عليه، ويبيتون عنده ويطعمهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال، ومجانبة الأمور المخلة بالمروءة.
ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في إقراء الدروس، أجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في إقراء الدروس في الأزهر والمشهد الحسيني في رمضان، فامتنع من ذلك، وواظب على حالة انجماعه وطريقته وإملائه الدروس بالأشرفية. وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف، وجاور سنة وعقد دروساً بالحرم وانتفع به الطلبة، ثم عاد إلى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الأوقات، فعظمت رغبة الناس فيه، ورد هداياهم مرة بعد أخرى، وأظهر الغنى عنهم فازداد ميل الناس إليه، وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده.
وتردد الأمراء وسعوا لزيارته أفواجاً، وربما احتجب عن ملاقاتهم، وقلد بعضهم بعضاً في السعي، ولم يعهد عليه أنه دخل بيت أمير قط، أو أكل من طعام أحد قط، إلا بعض أشياخه المتقدمين، وكانت شفاعته لا ترد عند الأمراء والأعيان، مع الشكيمة والصدع بالأمر والمناصحة في وجوههم إذا أتوا إليه، وازدادت شهرته وطار صيته، ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم، وقصدوا زيارته والتبرك به، وحج أيضاً في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء مصر، فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة، فجاور سنة وأقرأ هناك دروساً، واشترى كتباً نفيسة، ثم عاد إلى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس، بل بالغ في ذلك، ويقرئ ويملي الدروس بالأشرفية، وأحياناً بزاويتهم بدري شمس الدولة، وأحياناً بمنزله بالأزبكية.