ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولى مشيخة الأزهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي، باتفاق الأمراء والمتصدرين من الفقهاء، وهاجت حفائظ الشافعية، ذهبوا إليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك، ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه، فاجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك، وأرسلوا إلى الأمراء فلم يوافقوا على ذلك، فركب المترجم بصحبة الجمع إلى ضريح الإمام الشافعي، ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والأمراء، ورد المشيخة إلى الشافعية، وتولى الشيخ أحمد العروسي وتم له الأمر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي، ولما توفي الشيخ أحمد العروسي كان المترجم غائباً عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي، فأهمل الأمر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي بإشارته.
ولم يزل وافر الحرمة معتقداً عند الخاص والعام، حتى حضر الفرنساوية واختلت الأمور وشارك الناس في تلقي البلاء، وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها، وتراكمت عليه الهموم والأمراض، وحصل له اختلاط، ولم يزل حتى توفي يوم الأحد حادي عشرين شهر ذي القعدة الحرام عام ألف ومائتين وخمسة عشر بحارة برجوان، وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل، ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة. وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر، ذهنه وقاد ونظمه مستجاد، وكان رقيق الطبع لطيف الذات، مترفهاً في مأكله وملبسه.
ومن مؤلفاته مختصر المنهج في الفقه، وزاد عليه فوائد، واختصر الاسم وسماه النهج، ثم شرحه وهو بالغ في بابه، ومنها شرح المعجم الوجيز لشيخه السيد عبد الله الميرغني، وقد اعتنى به وقرأه درساً، ومنها شرح عقيدة والده المسماة منقذة العبيد في كراريس أجاد فيه جداً، ورسالة في تعريف شكر المنعم، وشرح الجزرية، والدر النظم في تحقيق