الألباب والمهج، مع حسن منظر تتزاحم عليه وفود الأبصار، وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار، وقد اجتمع فيه من الكمال ما تضرب به الأمثال، وأخباره غنية عن البيان، مسطرة في صحف الإمكان، زمانه كأنه عروس الفلك، فكم قال له الدهر أما الكمال فلك، ولم يزل كذلك إلى أن أذنت شمسه بالزوال، وغربت بعد ما طلعت من مشرق الإقبال، وقطفت زهرة شبابه، وقد سقتها دموع أحبابه، ورثاه الألمعي الفاضل السيد عبد الله المزاريقي وأرخه بقوله:
لقد مات من كانت موارد فضله ... تعم جميع الخلق في القرب والبعد
محمد البكري من فاز وارتقى ... كما بشر التاريخ في جنة الخلد
وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثاني، وخرجوا بجنازته ودفن عند أجداده بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه، وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الأيام.
ولما مات تولى سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل أفندي، وتقلد النقابة السيد عمر أفندي الأسيوطي، ومن نظمه مادحاً خليل أفندي المرادي مفتي دمشق الشام:
ينقضي الدهر والهوى لا يزول ... من فؤاد بعشقه مشغول
كل حين يمر بي من نهار ... هو عندي دهر عنيد طويل
والهوى يورد الفتى كل صعب ... وعلى عكس قصده مجبول
وعذولي قد لج يعذل جهلا ... أو هل يعرف الغرام جهول
وألذ الأيام ما لاح فيه ... قمر طالع وغصن يميل
قد حكته الغصون ليناً وقداً ... باعتدال وفاتها التمثيل
جمع الحسن كله مثل ما قد ... جمع الفضل والفخار خليل