طالباً رأيهم في ذلك، فصادقوه مذعنين لأمر السلطان، وتعهدوا بالمساعدة في كل ما يؤول لنجاح المملكة، وفي الحال أخذ الصدر الأعظم في وضع ترتيبات جديدة أوجبت الملام عليه من كثيرين، وأضمروا له السوء وصاروا يطعنون فيه جهاراً ويدعونه بالكافر، وعلقوا أوراقاً في الأسواق وعلى باب داره مكتوباً فيها قد قرب موت الصدر الأعظم، وساروا بأسلحتهم يطلبون قتل العساكر الذين تعلموا التعليم الجديد، فأخذوهم بغتة وشتتوهم وأحاطوا بمنزله وطرحوا فيه النار، ووقعت أمور يطول الكلام بذكرها.
وانقسم الناس فريقين فريقاً يريد التعليم الجديد وفريقاً يكرهه، وقتل بسبب هذه الفتنة خلق كثير، وأحرقت دور كثيرة، وحاصروا الصدر الأعظم في الدار التي كان فيها، وأطلق عليهم الرصاص وقتل كثيراً منهم، ثم التهبت عليه صناديق من بارود وكانت في داره، فمات بسبب ذلك، وكان قد أخرج جواريه ونساءه قبل ذلك، فأحيلت الصدارة إلى يوسف باشا، وكان ذلك في سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، وعزل شيخ الإسلام عطا الله أفندي وأحيلت المشيخة إلى عرب زاده محمد عارف أفندي، وكتب السلطان مصطفى وهو محبوس كتاباً إلى عساكر الانكشارية يحرضهم على الغيرة وإرجاعه إلى سلطنته، فوقع ذلك الكتاب في يد بعض العلماء فذهب به إلى شيخ الإسلام، فجمع كثيراً من العلماء وأخذوا يتحدثون في عواقب هذه الأمور، ويتشاورون في إطفاء هذه الفتنة، وظهر لهم أنه إذا بقي السلطان مصطفى في قيد الحياة لا تنطفي الفتنة، فاختاروا رجلاً من بينهم يقال له منيب أفندي كان قاضي إسلامبول ليعرض على السلطان محمود رأي العلماء، ويلتمس منه قتل السلطان مصطفى، فسار منيب أفندي إلى السلطان محمود وعرض عليه ذلك، فقال السلطان محمود إن هذا أمر محال، وكيف يتصور أن يصدر أمري بقتل أخي من كوني قادراً على منعه من هذه الأعمال، وصار بينه وبين السلطان محمود محاورة