كثيرة في ذلك، فقال له منيب أفندي في أثناء تلك المحاورة: قد جاء في الحديث الشريف: إذا اجتمع خليفتان فاقتلوا أحدهما فشق ذلك على السلطان محمود، وحول وجهه إلى شباك هناك ولم يجبه بشيء لشدة أسفه على أخيه، فقال منيب أفندي إن السكوت إقرار، ففي الحال أرسل منيب أفندي إلى كبير البستانجية وقال له: إن مولانا السلطان قد صدر أمره الشريف بقتل أخيه السلطان مصطفى، فاذهب وأتم أمره، فذهب البستانجي باشي ومعه جماعة من أعوانه إلى الموضع الذي كان فيه السلطان مصطفى، فأحس بهم وعرف مقصدهم، فاختبأ بين فرش كانت هناك، فدخلوا فوجدوه وراء الفرش فقتلوه خنقاً، وكان العلماء الذين اجتمعوا عند شيخ الإسلام ينتظرون رجوع الجواب إليهم، فلما أبطأ ظنوا عدم قبول السلطان فدخلوا جميعاً على السلطان محمود ترويحاً لكلام منيب أفندي، فلما دخلوا قبل أن يبتدئوا الحديث رأى السلطان محمود من الشباك إخراج أخيه ميتاً، فتألم كثيراً والتفت إليهم وعيناه ممتلئتان دموعاً، فعزوه ودعوا له بطول العمر، وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، ومدة سلطنة مصطفى سنة وشهران وعمره ثلاثون سنة.
ولما استقرت السلطة للسلطان محمود كانت أمور الدولة في غاية الارتباك، وكانت عساكر الروسية تتقدم إلى جهة الطونة بسرعة، فبعث جيشاً لمصادمتهم فلم يجد نفعاً، فطلبت فرانسا أن تتوسط في الصلح، فرفض السلطان مداخلتها لتأثره من الشروط التي عقدها نابليون مع الروسية سراً في تيلسيت، التي مضمونها اقتسام أوربا بينهما مع بلاد الدولة العلية، واستمر الحرب، مع كون الغلبة على العثمانيين، إلى أن وقع خلاف بين فرانسا وروسيا