ونشرت بينهما راية الحرب، وذلك سنة ألف ومائتين وثمان وعشرين، فالتزمت الروسيا أن تخرج عساكرها من حدود الدولة العلية، وعقدت مع الباب العالي صلحاً موافقاً للدولة جداً، فاغتنم السلطان محمود فرصة هذا الصلح لتسكين الثورات في ولايتي بغداد وايدين وغيرهما، فإنه في سنة ألف وما وست وعشرين أظهر سليمان باشا والي بغداد العصيان، فأرسل إليه السلطان محمود من قتله.
وفي عام ألف ومائتين وسبعة وثلاثين تجاهر اليونان في المورة بالعصيان على الدولة، وكانوا يهجعون بمراكبهم على سواحل البحر، فيقتلون ويسلبون وينهبون ويأسرون، وبيان ذلك مع الاختصار أن بلاد المورة وهي قطعة من بلاد الروملي كانت ولاية من ولايات الدولة العلية، فلما اقتضى نظر السلطان محمود قتل الينجارية وتبديل وجاقهم بالعساكر النظامية الموجودة الآن، ضعفت عساكر الدولة وقلت، وطمع فيها الأعداء من كل جانب، فحاربها الروس وملكوا بلاداً من أراضيها، وممن ثار عليها في تلك المدة أهل المورة، وطردوا ولاة الدولة العلية، وقتلوا أكثر المسلمين الذين كانوا في تلك البلاد متولدين ومتوطنين منذ قورن طويلة، وكان المسلمون هم أهل الأراضي والأملاك والمزارع، وكانت نصارى المورة بصفة خدامين عندهم، فلا زال أمر النصارى يتقوى بواسطة الكنائس ورؤسائها لما يجتمعون في أعيادهم ومواسمهم، وينصح بعضهم لبعض بالاستقلال، وشرعوا في تعليم أولادهم الحروب والرمي بالرصاص، وأتقنوا أسباب الشجاعة بأنواعها سراً، وتعلموا الصنائع التي يتولد منها الغنى، فأرسلوا أولادهم إلى بلاد أوروبا لتعليم الصنائع، والمسلمون في غاية الغفلة والبله، يتركون تربية أولادهم للنساء والمخاصي المعبر عنهم بالأغوات، فلذلك تنشأ أولادهم، عقولهم بين عقول النساء والمخاصي، وما ألذ وأحسن ما قاله الشاعر المتنبي في هذه المناسبة حيث قال: