ولما ظهر للسلطان محمود ما حصل لمسلمي المورة من القتل والسبي والنهب إلا من فر منهم وهاجر إلى بلاد الإسلام، جهز جيشاً عرمرماً من عنده، وأمر محمد علي باشا والي مصر بتجهيز جيش آخر من عنده، فاجتمع الجيشان في بلاد المورة تحت قيادة ولده إبراهيم باشا، يزيد على خمسة وعشرين ألفاً، وعمارة بحرية، فأيس الأروام من النجاة ونوال الاستقلال، فاستنجدوا بالدول الأروباوية، فبادرهم كل من فرانسا وانكلترا بتوسط الصلح، فلم يقبل السلطان سؤالهما، فعند ذلك أطلق كل منهما نار حربه على عمارتي الدولة ومحمد علي فأحرقوهما، وكان ذلك سنة ألف ومائتين وإحدى وأربعين، ولما بلغ السلطان محمود ذلك التجأ لقبول ما اشترطاه من إبطال الحرب واستقلال الأروام. وكان أخذ المورة من يد المسلمين هو أكبر أسباب خروج الروملي بأجمعه من الدولة العلية، وفي سنة إحدى وأربعين أيضاً شرع السلطان محمود في تعليم بعض العساكر التعليم الجديد، وشرع يدبر تدمير الانكشارية وأبطال وجاقهم، فأبرز أمراً سلطانياً يتضمن القدح في وجاق الانقشارية، وبيان الخلل الواقع منهم، وتقلبهم على الدولة، وقتلهم بعض السلاطين، وأمر سليم باشا الصدر الأعظم أن يجمع العلماء في بيت شيخ الإسلام ويتلو عليهم الأمر الشاهاني ففعل ذلك، فأجابوا بالامتثال بما يصدر به الأمر السلطاني، وتعهدوا بإنفاذه، وكان مع الحاضرين جماعة يميلون إلى الانقشارية، فتعصبوا لهم سراً، وأخبروهم بما صار عليه الاتفاق، فهجموا على بيت الصدر الأعظم وبعض العظماء من رجال الدولة، وأخذوا ينادون في شوارع إسلامبول ويقولون اليوم قتل العلماء ورجال الدولة وكل من كان السبب في وضع النظام الجديد، ويقتلون كل من صادفوه منهم، وينهبون البيوت ويضرمون فيها النار، ففر الصدر الأعظم منهم، وجاء إلى السلطان محمود وأخبره بتلك الحوادث، فأمره أن يجمع الطوبجية وسائر أهل الإسلام