أمام باب السرايا، فاجتمع في ذلك النهار جمع غفير من العلماء ورجال الدولة، ينتظرون خروج السلطان إليهم، فلما خرج إليهم أخذ يحدثهم بكلام يهيج به نخوتهم، فأقسم جميعهم على أنهم يهرقون دماءهم في صيانة أوامره وتنفيذها، والتمسوا منه إخراج الصنجق الشريف النبوي ليهجموا على العصاة، فأراد السلطان أن يكون معهم، فتوسلوا إليه أن لا يتنازل إلى ذلك، وأرسلوا منادين في شوارع المدينة ويدعون أهل الإسلام للاجتماع تحت الصنجق الشريف، فلما علم بعض الانقشارية بذلك أرسلوا أناساً من جماعتهم ينادون لاجتماع الانقشارية، فلما قرعت أصوات المنادين آذان أهل الإسلام أسرعوا إلى فسحة السرايا أفواجاً أفواجاً، ففرقوا عليهم السلاح، وسلم السلطان الصنجق الشريف لشيخ الإسلام قاضي زاده طاهر أفندي وعاد إلى كرسيه الملوكي، وكان يشرف على الجميع أمام السرايا، وسار سليم باشا الصدر الأعظم أمام تلك الجموع التي كانت أكثر من خمسين ألفاً، وشنوا الغارة على الانقشارية صارخين الله أكبر على الأشقياء، وهجموا عليهم وأطلقوا المدافع والرصاص، وكان يوماً مهولاً عظيماً، فقتلوا منهم نحو عشرة آلاف، والباقون فروا إلى قشلهم وتحصنوا فيها، فهجم عليهم العساكر والأهالي وطرحوا فيها النار فاحترق كثير منهم، ومن بقي ولوا الأدبار، ثم قبضوا على كثير منهم فقتلوهم وطرحوهم في فسحات ميدان، وبعد ذلك دعا السلطان إليه العلماء ووكلاء الدولة وأخذ يريهم أثواب السلاطين العظام الملطخة بالدماء، الذين قتلهم العصاة الانقشارية طالباً ثمن دم السلاطين، فأجاب العلماء أن ثمن دم كل سلطان خمسة وعشرون ألف نفس، فصدرت الأوامر بتدمير الانقشارية في الآستانة العلية وفي جميع الجهات، فقتل منهم عدد كثير وارتاحت الدولة والناس من مظالمهم،