فملك زمامه، رفع للعلوم أرفع راية، وجمع بين الرواية والدراية، فأصبح وهو كاسر الوسادة، بين الأئمة والسادة، يشنف المسامع بفرائد كلامه، ويشرح الخواطر بما تسطره أنامل أقلامه، فلا ريب أنه عين الزمان ويمينه، لو حلف الدهر ليأتين بمثله حنثت يمينه، فما من فضل إلا وهو في ذاته موجود، ولا من مرغوب إلا وهو له مطلوب ومقصود، قد أجمع كل ناطق بلسان وعارف بحسن واستحسان، على فضله الذي اقتضى لذكره التخليد، فالعالم عرفه بعلمه والجاهل اعتقده بالتقليد، وهو من منذ لاح هلاله في أوجه، لا زال بحر فضله آخذاً في مده وموجه، بزغ من أفق دمشق وبها برع، وترقى إلى أن بلغ فوق ما يتعلق به الطمع.
وكان قد ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف في دمشق الشام، ونشأ في كنف والده السيد الهمام، وأحسن القراءة والكتابة وهو ابن اثني عشر، ثم جد في طلب العلوم على السادة الغرر، حتى برع وفاق أقرانه، وفضل أترابه وأخدانه، وتخرج على مشايخ عصره الأفاضل، حتى احتوى على أنواع الفضائل، وأتقن علم الفقه والتفسير والكلام والحديث والأصول والعربية والمنطق والبيان والفرائض والحساب والعروض والحكمة، وله مطالعة قوية في كلام السادة الصوفية، وعلا شأنه في الآداب وفاق، وطار صيته في الأقطار والآفاق. وعين في أيام شبابه نائباً في محكمة البزورية، ثم في محكمة السنانية، ثم في محكمة الباب الكبرى، ثم في سنة ست وستين صار عضواً في مجلس إيالة دمشق الشام الكبير عقب وفاة والده، وفي سنة تسع وستين عين مديراً لأوقاف إبالة الشام، وبعد مرور سنة أحيلت لعهدته رياسة مجلس الزراعة، وفي سنة تسع وستين