للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجماله لا يبارى، والفصيح الذي فاقت فصاحته والمليح الذي تسامت ملاحته، واللبيب الذي استوى على أوج الرقائق، والنجيب الذي لم يدع منهلاً في المعارف إلا وكرع منه الكأس الرائق.

ولد في سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف ونشأ في حجر والده، وقرأ القرآن وتعلم الكتابة الحسنة، وقرأ بعض الفنون على بعض الأفاضل، إلى أن صار له يد طولى، ثم انفرد في دار وحده، وكان غنياً غنى مفرطاً من جهة أمه، إلا أنه سلط عليها يد الإتلاف من غير إرادة ولا إنصاف، والدنيا كانت تعاكسه في كل مراد وتجذبه إلى خلاف ما أراد، وما زال على حاله لا يصغي إلى من يريد أن ينشله من أوحاله، إلى أن قل ماله وبدا له ممن كان يتردد عليه إهماله، فاختار العزلة في أكثر أوقاته، والانفراد عن أحبابه وذوي التفاته، إلى أن شرف إلى الشام العارف الكبير والهمام الشهير، الشيخ محمد الفاسي المغربي المالكي الشاذلي، فأقبل عليه وتوجه بكليته إليه، وأخذ منه الطريقة الشاذلية، وحصل له منها نفحات رحمانية، وكنا نجتمع معه في أوقات كثيرة هي بأن تذكر بأنها من الأعمار جديرة، لأن تجليه كان جالباً للفرح مذهباً للترح، موجباً للسرور مخرجاً من الغم والكدور. وكان حسن المعاشرة جميل المذاكرة، لطيف العبارة ظريف الإشارة، كثير الابتسام عذب الكلام، ملاطفته تذهب البؤس عن كل عبوس. وكان له قلم عال سبوق سيال، وله تأليفات أدبية، ورسائل عن العيب أبية، خصوصاً وقد اشتغل بعد الطريق بمطالعة كلام السادة الصوفية، ذوي المعارف والأسرار الإلهية.

فمن مؤلفاته كتاب رسائل الأشواق في وسائل العشاق في ثلاثة مجلدات، وهو كتاب يشتمل على العبارات الرقيقة والقصائد الأنيقة، وأنواع الموشحات والمقاطيع العاليات، وكثير من فنون الشعر مما لا يوجد بغيره من كتب النظم والنثر، ويشتمل على حكم ومواعظ ونوادر ونكات،

<<  <   >  >>