للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولد المترجم المرقوم سنة تسعين ومائة وألف، ونشأ في حجر والده وتفقه عليه، ثم رحل إلى مستفانم فأخذ عن علمائها، وحضر الكتب المطولة على فضلائها، وأجازوه بما تجوز لهم روايته، وحصلت لهم درايته، إلى أن صار مسموع الكلمة مهاباً مطاعاً، كثير الطاعة صادق اللهجة مطواعاً، ما نال أحد دعوته إلا رأى بركتها في نفسه وماله، ولا حصل امرؤ توجهه ورضاه إلا ورأى غاية الاستقامة في أحواله، ردد الاختلاف إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة، عظيم الجاه رفيع السطوة، كم له من كرامة هي على علو مقامه أعظم علامة، منها ما جرى له مع حاكم وهران محمد بن عثمان، التركي الشهير ببوكابوس، وذلك أن أربعة من رؤساء الحشم يعرفون بأولاد بونقاب، قصدهم الحاكم المذكور أن يفتك بهم فنفروا من وهران، والتجأوا للحماية عند المترجم المذكور فوضعهم في بيت الأضياف، ولما علم الحاكم بهم أرسل إليهم رجلاً معروفاً بالمرسلي آغة الزمالة، ومحمد بن داوود نائب آغة الدوائر في أربعمائة فارس، فوصلوا إلى بلدته المعروفة بالقيطنة وأحاطوا بمنزل الأضياف، وفيه أولئك الرؤساء الأربعة، وكان الشيخ المترجم قد صلى الصبح في مسجده ورجع إلى داره، فسمع ضجيج الناس وأصوات البارود وصهيل الخيل، فخرج مسرعاً من بيته، فوجد العسكر محيطاً بهم في بيت الأضياف، فتقدم إلى الباب وقال اخرجوا إليهم، ولا تخافوا فإن كل واحد منكم بمائة من هؤلاء الظلمة، فامتثل الرؤساء أمره وخرجوا، وفي أيديهم السيوف، فوقع الرعب في قلوب أولئك الفجرة، وانكشفوا عن البيت، فركب كل من الأربعة على فرس عري ولحقوهم، فقتلوا ابن داوود والمرسلي أثخنوه بالجراحات، وتفرق العسكر شذر مذر، لا يلوي أحد منهم على الآخر، واستمروا على وجوههم إلى وهران، وأخبروا سيدهم، وفي الحين أصيب في عينيه، ولما عجز الأطباء عن معالجته وعلم أنه إنما أصيب بانتهاكه حرمة الشيخ المرقوم

<<  <   >  >>