وجرأته عليه، أرسل بعض خواصه إليه، يستعطفه ويستقيله من عثرته، ويستغفره من زلته، ويسأله العفو عنه والدعاء له، فدعا له وعفا عنه كما هو معلوم من حسن معاملته، ورقة طبيعته، فعافاه الله وشفاه، وأخبر ولد المترجم السيد عبد القادر أن والده المرقوم أخبره بعد هذه الواقعة أن هذا الحاكم مثل له في الرؤيا في صورة كبش فذبحه وسلخه، فكان الأمر كما قال، وذلك أن باشا الجزائر أمره بتجهيز الجيوش وسوقها إلى نواحي قسنطينة، وهناك يستكمل تعلقات القتال وينهض لقتال صاحب تونس، فلما خرج إلى هبره على مسافة مرحلتين من وهران، وتلاحقت الجموع، ورأى كثرتهم، سولت له نفسه نقض الطاعة لحكومة الجزائر، ودعته إلى الاستقلال، فجمع أعيان القبائل وأسر لهم ذلك، فأجابوه لمطلوبه ظاهراً، لاستثقالهم السفر من وطنهم إلى تونس، وأصبح راجعاً إلى وهران حاضرة ولايته، وأمر بقتل من بهما من الجند التركي فقتلوا، وبعث إلى تلمسان وأم عسكر بقتل من بهما من الجند، وأعلن بالدعاء لنفسه، فاتبعه الدوار والرمالة والغرابة ومن والاهم، وامتنع الحشم جميعاً، فطار الخبر إلى باشا الجزائر، فبعث إليه جيشاً فدخلوا وهران وقبضوا عليه وذبحوه وسلخوه وملؤا جلده قطناً وبعثوا به إلى الجزائر، فوضع على سورها فكان عبرة لمن اعتبر، وإخافة لمن نظر.
وله رضي الله عنه كرامات كثيرة ويد طولى هي بنوال المطلوب حقيقة وجديرة، حج رضي الله عنه ثلاث مرات، وكان في طريقه يجتمع بالعلماء والأفاضل والسادات الأماثل، فيفيدهم ويستفيد، وكان قاصراً نفسه على ما يفيد من العلم والتقوى لا من الطارف والتليد، ومر في آخر حجاته على بغداد، فزار جده وأخذ الطريق عن شيخ السجادة القادرية ونال أقصى المراد، ثم رجع إلى الوطن وقد أفرغ الله عليه حلة المنن، ولم يزل يعلو مقامه ويسمو احترامه، ويزكو علاه ويعم نداه، إلى أن دعاه داعي المنية للتوجه للمقامات العلية، يوم الأحد ثالث ربيع الأول سنة تسع وأربعين ومائتين وألف من الهجرة.