فعند ذلك فتحوا التركة بوصايا الزوجة من طرف القاضي، خوفاً من ظهور وارث، وأظهروا ما انتقوه مما انتقوه من الثياب وبعض الأمتعة والكتب والدشتات، وباعوها بحضرة الجمع، فبلغت نيفاً ومائة ألف نصف فضة، فأخذ منها بيت المال شيئاً، وأحرز الباقي مع الأول، وكانت مخلفاته شيئاً كثيراً جداً، أخبرني المرحوم حسن الحريري وكان من خاصته وممن يسعى في خدمته ومهماته، أنه حضر إليه في يوم السبت وطلب الدخول لعيادته، فأدخلوه إليه، فوجده راقداً معتقل اللسان، وزوجته وأصهاره في كبكبة واجتهاد في إخراج ما في داخل الخبايا والصناديق إلى الليوان، ورأيت كوماً عظيماً من الأقمشة الهندية والمقصبات والكشيمري والفراء، من غير تفصيل نحو الحملين، وأشياء في ظروف وأكياس لا أعلم ما فيها، قال: ورأيت عدداً كثيراً من ساعات العب الثمينة مبدداً على بساط القاعة، وهي بغلافات بلادها، قال فجلست عند رأسه حصة وأمسكت يده، ففتح عينيه ونظر إلي وأشار كالمستفهم عما هم فيه، ثم غمض عينيه وذهب في غطوسه، فقمت عنه، قال: ورأيت في الفسحة التي أمام القاعة قدراً كثيراً من شمع العسل الكبير والصغير، والكافوري والمصنوع والخام، وغير ذلك مما لم أره ولم ألتفت إليه.
ولم يترك ابنا ولا ابنة، ولم يرثه أحد من الشعراء، وكان صفته ربعة نحيف البدن ذهبي اللون متناسب الأعضاء، معتدل اللحية قد خط الشيب في أكثرها، مترفهاً في ملبسه، ويعتم مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش أبيض، ولها عذبة مرخية على قفاه، ولها حبكى وشراريب حرير طولها قريب من فتر، وطرفها الآخر داخل طي العمامة، وبعض أطرافه ظاهر، وكان لطيف الذات حسن الصفات، بشوشاً بسوماً، وقوراً محتشماً، مستحضراً للنوادي والمناسبات، ذكياً لوذعياً فطناً ألمعياً، روض فضله نضير، وما له في سعة الحفظ نظير.