وبالجملة فإنه كان في جمع المعارف صدراً لكل ناد، حتى قوض الدهر منه رفيع العماد، وأذنت شمسه بالزوال، وغربت بعد ما طلعت من مشرق الإقبال، كما قيل:
وزهرة الدنيا وإن أينعت ... فإنها تسقى بماء الزوال
وقد نعاه الفضل والكرم، وناحت لفراقه حمائم الحرم؛ وأصيب بالطاعون في شهر شعبان، وذلك أنه صلى الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره، فطعن بعد ما فرغ من الصلاة، ودخل إلى البيت واعتقل لسانه تلك الليالي، وتوفي يوم الأحد، فأخفت زوجته وأقاربها موته حتى نقلوا الأشياء النفيسة والمال والذخائر، والأمتعة والكتب المكلفة، ثم أشاعوا موته يوم الاثنين، فحضر إسماعيل بك طبل الإسماعيلي، ورضوان كتخدا المجنون وادعى أن المتوفى أقامه وصيا مختاراً، وعثمان بك ناظراً بسبب أن زوج أخت الزوجة من أتباع المجنون، يقال له حسين آغا، فلما حضروا وصحبتهما مصطفى أفندي صادق، أخذوا ما أحبوه وانتقوه من المجلس الخارج، وخرجوا بجنازته وصلوا عليه، ودفن بقبر أعده لنفسه بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية، ولم يعلم بموته أهل الأزهر ذلك اليوم، لاشتغال الناس بأمر الطاعون، وبعد الخطة، ومن علم منهم وذهب لم يدرك الجنازة، ومات رضوان كتخدا في أثر ذلك، واشتغل عثمان بك بالإمارة لموت سيده أيضاً، وأهمل أمر تركته فأحرزت زوجته وأقاربها متروكاته، ونقلوا الأشياء الثمينة والنفيسة إلى دارهم، ونسي أمره شهوراً، حتى تغيرت الدولة وتملك الأمراء المصريون الذين كانوا بالجهة القبلية، وتزوجت زوجته برجل من الأجناد من أتباعهم،