كبر وشب حفظ القرآن وتعلم الخط والحساب، ثم تعلق على العلوم فأخذ بقسم وافر من كل منها، وقرأ كثيراً من كتب الأدب والتواريخ، وطالع أكثر دواوين الشعراء وأقوال البلغاء، فحفظ منها في مدة يسيرة ما يعجز عن حفظه غيره في أعوام كثيرة، وكان مع ذلك قد منح حسن الصوت وجودة الحفظ، فتعلق على العلوم الموسيقية فبرع بها، وأحبه أعيان البلدة وأكابرها، فكان سمير العلماء ونديم الشعراء والبلغاء، ثم زادت شهرته وبعد صيته وتولع به الخاصة والعامة، فاعتنقه الشيخ الفاضل والمرشد الكامل، أبو النصر بن الولي العارف بالله الشيخ عمر اليافي، صاحب المنظومات الدرية والقدود البهية الموسومة في البكرية، فنزل عنده منزلة عظيمة، وحلت عليه أنظاره الكريمة، ثم رحل مع الشيخ المذكور وتخرج بصحبته، وصار منشد ذكره وحضرته، فسافر معه إلى الاستانة العلية، ونزلا عند عبد الله باشا أحد وزراء الدولة العثمانية، وذلك في زمن السلطان ساكن الجنان السلطان عبد العزيز بن السلطان محمود خان تغمدهما الله بالرحمة والرضوان، فحصل لهما الإقبال التام، ووجهت على الشيخ مصطفى رتبة روس إيبك بواسطة الباشا المذكور، وانتظمت له الأمور، وأحبه عبد الله باشا فحبسه عن المسير، ونال منه الخير الكثير، ثم سافر معه إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام، وأقام عنده مدة طويلة بمزيد الإنعام، ورجع بعد ما طاف البلاد المصرية.
فرأى في تلك المدة بدور المنظومات الهلالية طالعة، وأنوارها