لامعة، والناس منها بين إعجاب وإطراب، وإطناب وإسهاب، فأخذ في معارضته، وشمر إلى مبارزته، ولكن تركه في واد وسلك في واد آخر، وعن تلك الخطة رجع والقدور، إلى غير ذلك مما ستقف على معانيه، وتتأمل رصانة مبانيه، من المنظومات الفائقة، والأدوار الرائقة، والكلام الذي فاق بسلاسته وعذوبته كل كلام في هذا الباب، وأعجز فحول الشعراء عن مضاهاته وحير منهم الألباب، حتى قال قائلهم ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا لشيء عجاب! ومن ثمة أوغر عليه صدر الهلالي حنقاً، وازداد تضجراً وقلقاً، تأسفاً على إهمال نظمه الذي فاق الدر المنثور، ونبذه خلف الظهور، وتوله الناس بما يعارضه به الشيخ المذكور، على أن الشيخ مصطفى لم يكن مقصوراً على النظم في المآكل، إنما كان يأتي بذلك على سبيل التفكه والمداعبة. وكان له نظم جيد رقيق، والذي يدعوه أيضاً لسلوك هذه الخطط واقتفاء تلك الرسوم، كثرة ولعه في حب المآكل واللحوم، فإنه كان رحمه الله تعالى أكولاً عظيماً، وقد قيل من أحب شيئاً أكثر من ذكره، وسوف نأتي على نبذ من مهمات أمره، مع ما فيه، فإنه كان رحمه الله مسامراً نديماً حافظاً، إذا جالسك يملأك نكات وأخبارا، وملحاً وآثارا.
توفي رحمه الله تعالى عام ألف وثلاثمائة وتسعة عشر إثر نزلة صدرية، لم تنجع فيها حيل المطببين، وله من العمر ما ينوف على السبعين، وكانت موتته على هيئة تشعر بحسن الختام، والفوز بدار السلام، وذلك حيث كان رحمه الله تعالى رحمة واسعة في نهاية مرضه وقد أصبح يوم الجمعة، حتى إذا كان قبيل الصلاة رأى في نفسه خفة وراحة فطلب ماء ليتوضأ معولاً على