الزاوية الغربية من المدرسة المرقومة التي كانت محل تدريس الإمام النووي قدس سره ومحل زاويته للأحاديث، فصارت محلاً لوضع براميل الخمر، فتعرض المترجم المرقوم وطلب إعادة المحل لحاله، ورفع الأمر إلى الوالي، فلم تلتفت الحكومة إلى دعواه، فتوجه المترجم إلى الأستانة وتعاطى أسباباً كثيرة لإنقاذ هذا المحل من أيدي الرومي، إلى أن استحصل فرماناً سلطانياً في ذلك، فعاد إلى الشام وقدمه إلى الوالي فطرحه في زوايا الإهمال، وبقي الأمر على ذلك، ولم يقع المترجم على ثمرة، إلى أن جاء الأمير السيد عبد القادر المغربي أمير الجزائر من فرانسا إلى الأستانة، اجتمع به المترجم وشكى الأمر إليه، ومشى مع الأمير في العود إلى الأستانة، بقصد الرحلة إلى المدينة الشريفة والإقامة بها، وبقي حضرة الأمير في بروسة بعد ذلك مدة طويلة، نحو خمس سنوات، ثم إنه لما توالت هناك الزلازل، وخربت كثيراً من المحلات، وخرجت الناس من العمران وسكنت في الصحراء، رحل الأمير إلى دمشق الشام وأقام بها، ورأى الأمر كما أخبره المترجم، فأخذته الحمية الدينية والغيرة الإسلامية، لإنقاذ هذا المحل، فأحضر الرومي ودفع له مالاً جزيلاً واشتراه منه، وجعله وقفاً على المترجم وعقبه، وأمر بترميم المسجد والمدرسة على نفقته، ثم أرسل خبراً إلى المترجم المرقوم إلى المدينة المنورة، وبعد حضوره من المدينة قرأ حضرة الأمير صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري في المدرسة المرقومة، وكان ختامه في اليوم الرابع والعشرين من شوال سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، وعند الختم قدم المترجم هذه القصيدة للأمير السيد عبد القادر:
بك المسرات قد نالت أمانيها ... يا نعمة ما لها شيء يدانيها
إن كان عيد الهنا تهنى بموسمه ... فالعيد كونك يا أقصى أمانيها