وجليت إليهم إشارته، ولقد أملى من تلك الدقائق والحقائق ما استنارت به قلوب سليمة، وتداوت من جراحات غفلاتها أفئدة أليمة، وازدحم الخاص والعام على الاستفادة من تلك العلوم، والاقتباس من نور مشكاة تلك الفهوم.
جميع العلم في القرآن لكن ... تقاصر عنه أفهام الرجال
وتلقى كل أحد من تلك المعاني واللطائف على قدر الاستعداد، وعلى ما قدره الله من مسوق فيض الإمداد.
على قدرك الصهباء تعطيك نشوة ... ولست على قدر السلاف تصاب
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في شرح منازل السائرين: القوم يسمون أخبارهم عن المعارف والمطلوب إشارة، لأن المعروف والمطلوب أجل من أن يفصح عنه بعبارة تطابقه وشأنه فوق ذلك، فالكامل إشارته إلى الغاية، ولا يكون ذلك إلا لمن فني عن اسمه وهواه وحظه، وبقي بربه، وكل أحد فإشارته بحسب معرفته وهمته، ومعارف القوم وهمهم تؤخذ بإشاراتهم انتهى وهذا السيد الجليل طريقته السالك بها والداعي إليها الإقبال بالكلية على تدبر معاني كتاب الله، وإطالة التفكر في استجلاب أسرار معانيه، ولقد ذكر لي أنه مكث عدة سنين لا شغل له إلا تلاوة كتاب الله والتعرض لنفحات أسرار علومه، ولطائف رقائقه وفهومه، حتى منح الله بما منح وفتح بما فتح، وهذه الطريقة هي التي أشار إليها الإمام ابن القيم في شرح منازل السائرين حيث قال ما نصه: والطريقة المختصرة القريبة السهلة الموصلة إلى الرفيق الأعلى التي لا يلحق سالكها خوف ولا عطب، ولا فيها آفة من آفات سائر الطرق البتة، وعليه من الله حارس وحافظ يحرسه ويحفظه ويحميه، ويدفع عنه كل أذى، هي أن تنقل قلبك من وطن الدنيا إلى وطن الآخرة، ثم وأنت بهذا الموطن لا تجعل له التفاتاً إلا إلى معاني القرآن واستجلائها وتدبرها