شراباً ولو اختبرها لم يجدها غير آل وسراب، ويا سعادة من أقصر، عندما أبصر، واعتبر لما اختبر، فالدهر أفصح مؤذن بالزوال، وأنصح مؤذن بالارتحال، فلما سمع الماء ما قلناه من الكلام، وتأمل ما فيه من منثور النثر وقلائد النظام، تموج وتأود، ورغا وأزبد، وجرى واضطرب، وعبس بعد القهقهة وقطب، وقال يا معشر الأكابر، أما بلغكم قول الشاعر:
إذا لم تكن إلا الأسنة مركباً ... فلا رأي للمضطر إلا ركوبها
وقول الآخر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
وقول السفاح وهو أول من وطد الخلافة العباسية حين قتل بنو عمه بني أمية
نفلق هاماً من رجال أعزة ... علينا وإن كانوا أعق والأما
أما عرفتم أن الأخ المعاند، كالعضو الزائد، يشين الذات، ويمنع اللذات، فقطعه من الرشد، وإن آلم الجسد، هذا ولا يغر الهواء صفائي فكم تكدرت، ولا يثق بسلاستي فكم انعقدت واستحجرت، والذي جمعت في صفاتي الأضداد، كما قال الشاعر وأجاد:
أنا كالورد فيه راحة قوم ... ثم فيه لآخرين زكام
وحسبك ما قاله الشاعر: كالماء فيه الحياة والغرق، فإن زعم الهواء إن له علي فضيلة، فليعرضها على أسماعكم غير متعلل بعلة ولا متحيل بحيلة، فقلنا نعوذ بالله من اجتماع النفس والهوا، فمن رام منكما أن يتكلم فليجعل منبر الفخر له مستوى، فعند ذلك ثار الهواء وله غبار، وصعد منبر الفخار، وقال الحمد لله الذي رفع فلك الهواء، على عنصر التراب والماء، ونفخ في آدم من روحه وعلمه جميع الأسماء، أما بعد