ما زعمته فيك من الخصوصيات على سبيل المفاخرة والمباهاة، وأنا أقول ما من الله به علي على سبيل التحدث بنعمة الله، فأقول أنا مخلوق ولا فخر، وأنا لذة الدنيا والآخرة ويوم الحشر، وأنا الجوهر الشفاف، المشبه بالسيف إذا سل من الغلاف، وقد خلق الله مني جميع الجواهر حتى اللآليء في الأصداف، أحيي الأرض بعد مماتها، وأخرج منها للعالم جميع أقواتها، واكسو عرائس الرياض أنواع الحلل، وانثر عليها لآلىء الوبل والطل، حتى يضرب بها في الحسن المثل، كما قيل:
إن السماء إذا لم تبك مقلتها ... لم تضحك الأرض عن شيء من الزهر
وأنا الذي أقتل العجوز، وأذهب حرارة آب وتموز، وقد أفتاني الأفاضل، أن من دخل علي من باب المفاخرة أنه لا يجوز، فكيف ينكر فضلي من دب أو درج، وأنا البحر فرعي وفي المثل حدث ولا حرج، وأما أنت أيها الهواء فكم ذهبت فيك نصائح النصاح، كما قال ابن هرمة: وبعض القول يذهب في الرياح ولعمري أنه لا يفي قبولك بدبورك، ولا تقوم جنتك بسعيرك، ولطالما أهلكت أمماً بسمومك وزمهريرك، فكم تواتر عنك حديث تشمئز منه النفس وتمجه الأذن، وحسبك من العناد أنك تجري بما لا تشتهي السفن، وأنت المولع برقص الجواري كفعل الفساق، وأنت الذي تهيج التراب وتغري النار بالإحراق، كما قال فيك ابن الرومي:
لا تطفين جوى بيوم إنه ... كالريح يغري النار بالإحراق
ومن عيوبك أنك لا تسكن ولا يقر لك قرار، ولم تفهم الإشارة في قوله تعالى " وله ما سكن في الليل والنهار "، وقد ضربت للعرب بعدم استقامتك الأمثال، كما نقله عنهم أصحاب القصص فمن ذلك قولهم:
إن ابن آوى لشديد المقتنص ... وهو إذا ما صيد ريح في قفص