أن أزور الشام وآتيك بعد مدة من الأيام، فكتب الرجل لبعض أحبابه أن يتلقوه بالإكرام ويبذلوا الهمة في إكرام جنابه، فكان يصرف من مال الأحمدين، والناس يستغربون ولا يعلمون هذا المال من أين، إلى أن ذهب هذه المرة إلى الاسكندرية، وصارت أكاذيبه على الأحمدين غير خفية، تعلق به تعلق الدائن بالمديون، وقال له لقد أخذت مالي بالأكاذيب والمجون، واشتكى عليه لحاكم البلد، فأحضره وسأله فانكسر ذلك وجحد، فأثبت ذلك عليه، وحجز على ثيابه ومتاعه، فلم يجد شيئاً من المال لديه، فلما عرف الحاكم بذلك. أضمر له الإيقاع في المهالك، فأعلم بذلك أمير مصر القاهرة، وأرسل إليه تفصيل هذه القضية الباهرة، فأمر بنفيه إلى فاس، ونفي غلامه إلى طنجة، بعد ذاك البهاء والبهجة، وبعد ذلك لم نقع لهما على خبر، ولم نقف لهم على نقل أثر، ومن كلامه وبديع نظامه:
قدس الله عالماً جئت منه ... وسقته سحائب الأنوار
طالما جبت فيه بين أملا ... ك كرام ضحاضح الأسرار
ثم أهبطك المليك كما أه ... بطني لمنازل الأغيار
ليتم مراده فله الحكم ... علينا سبحانه من باري
فاصبري وتجلدي واحمدي الل ... هولا تجزعي من الأكدار
واعلمي أن كلنا قاسا ما سو ... ف تقاسين من خطوب ضواري
في وعاء من التراب كثيف ... ذي ظلام مضيق من هار
كل ما نحن فيه يسهل لولا ... أن نار الحجاب ذات استعار
غيرت بهجتي فانطبخت الط ... ين فصار الجميع كالأحجار
وإلى الله أشتكي من حجاب ... عاقني عن مناهل الأبرار