وحيران، ثم بعد أن ارتفع بيننا الحجاب، وصارت حالتنا معه حالة الإخوان والأحباب، جعل في بعض الأحيان يتحدث بالغلمان والشراب، ويتواجد لهم تواجداً موقعاً في الارتياب، فدلنا صريح مقاله، على حقيقة حاله، ولم نقدر على ترك مجالسته، لما عنده من ذكائه وحفظه وفصاحته، ثم إنه استخدم غلاماً يزري بالقمر، في ليلة أربعة عشر، فأكثر الناس عليه القيل والقال، وأخرجوه عن دائرة الاعتدال، وعرفوا ما أكنه وأسره، وسلبوه ما كان عنده من الفرح والمسرة، وأسمعوه ما كدر صفوه، وأخرجوه من دائرة المروءة والنخوة، وعلموا حاله، واستقذروا أوحاله، فلما عرف ذلك أخذ غلامه وسافر إلى سنوس، وهو من تزكية الناس له مأيوس، فغاب مدة طويلة ثم حضر، فلم يجد من الإقبال الذي كان له من أثر، فمكث مدة ثم ذهب بغلامه إلى الاسكندرية، فلم تمض مدة طويلة إلا وقد بلغنا عنه أخبار دنية، وهو أنه كان من أهالي الاسكندرية رجل يقال له الأحمدين، وقد اشتهر في التجارة والغنى اشتهار الفرقدين، فاجتمع بالمترجم المذكور، وسمع من كلامه المزدري بعقود النحور، من وعظ ورغائب، ودعوى وصول إلى أعلى المراتب، وكان الرجل من أهل الصلاح، والطاعة والنجاح، فتعلق به تعلق الأرواح بالأشباح، ولازمه ملازمة النور للمصباح، ولم يزل يسحره ببديع كلامه، ويعده بالوصول إلى مرغوبه ومرامه، وأنه سيرى سيد الأنام، في اليقظة لا في المنام، فيسأل له المطلوب، ويوصله لكل مرغوب، فصدق الرجل قوله، وأضاف إليه قوته وحوله، وانقاد إليه أشد الانقياد، وقدمه على الأهل والمال والأولاد، فلما عرف المترجم منه زيادة حبه، وأنه استولى على عرش لبه وقلبه، صار يقول له إن رسول الله صلى الله عليه يريد أن يريك ذاته الشريفة غير بعيد، ولكن يأمرك أن تعطيني من المال كذا وكذا لأعطيه لمن أريد، ولا زال يأخذ منه من المال، ويعده ببلوغ الآمال، إلى أن قال له إن قصدي