البلغاء لجمال أبكاره الحسان، وسجدت الأدباء لكعبة أفكاره الباهرة كل إنسان، فإن أقر على الرق أنامله، أقر بالرق أدباء الأنام له، تضحك ثغور الأوراق طرباً من بكاء يراعه، وتسجع بلابل الأوراق عجباً من طيب لفظه وسماعه، فلو انتشق ريحانة لفظه ابن نباتة، لاستطاب في ربا البديع نباته، فأين النسيج الحريري من رفيع مقاماته، والغزل الجريري من ترصيع أبياته، فرياض عباراته حياض الشفا لغليل كل عليل، وغياض إشاراته مفاض الصفا وأنس الجليل، فلو امتزج النسيم بنفحة أنفاسه القدسية، لأغنى أهل الرموس عن نفخة النشور، ولو انبلج لأهل الجحيم نور طلعته الانسية، لعرفت في وجوههم نضرة النعيم والسرور، هذا وراحته بفيض نداها السائل، راحة لكل راج وسائل، فلعمري لقد دارت شموس الكمالات عليه، وسارت بدور السعادات إليه،
أفديه عبداً إلى الرزاق ذا شيم ... تألقت من سناها غرة الزمن
وسيداً من بني البيطار والده ... بدر الهدى حسن ناهيك من حسن
فأقبلا على بهيج بابه، وقبلا أريج أعتابه، ثم قدما لمقامه السعيد، مقامة التهنئة بالصوم والعيد، وغب ذلك تساجلاً لديه، وتناضلاً بين يديه، فهو حكم الحكم، ومنتهى الهمم، فعرجا في الحال، واندرجا بحماه العال.
فحينما رآهما حيا وبيا، وتهلل بالبشر منه باهي المحيا، وقال مرحباً وأهلاً بالنيرين، ومن هما لجسد الكون كالعينين. قالت العنقاء: فقلت ها أنتما بالمشهد المأنوس، ولا عطر بعد عروس، فلينضح كل منكما إناءه بما فيه، ولينصح نفسه بصدقها في ظاهر أمره وخافيه. فلما سردا لديه المقامة، وودا أن يقيم كلا منهما مقامه، قال: والذي ألبسكما من الجمال أبهاه،