بعد معاناة الحصر زمناً طويلاً، وتقلد الإمارة ولي عهدها شير علي خان سنة ثمانين ومائتين وألف، وأشار عليه وزيره محمد رفيق خان أن يقبض على إخوته خصوصاً من هو أكبر سناً منه ويعتقلهم، فإن لم يفعل سعوا بالناس إلى الفتنة وألبوهم للفساد، طلباً للاستبداد بالإمارة، وكان في جيش هراة من أخوة الأمير ثلاثة محمد أعظم ومحمد أسلم ومحمد أمين، وهوى الشيخ جمال الدين كان مع محمد أعظم، فلما أحسوا بتدبير الأمير، ومشورة الوزير، أسرعوا إلى الفرار، وتفرقوا إلى الولايات كل منهم ذهب إلى ولايته التي كان يليها من قبل أبيه ليعتصم بمنعته فيها، وطاشت بهم الفتن، واشتعلت نيران الحروب الداخلية، وبعد مجالدات عنيفة عظم أمر محمد أعظم وابن أخيه عبد الرحمن الأمير الحالي، وتغلبا على عاصمة المملكة، وأنقذا محمد أفضل والد عبد الرحمن من سجن قزنة، وسمياه أميراً على أفغانستان، ثم أدركه الموت بعد سنة، وقام على الإمارة بعده شقيقه محمد أعظم خان، وارتفعت منزلة الشيخ جمال الدين عنده، فأحله محل الوزير الأول، وعظمت ثقته به، فكان يلجأ لرأيه في العظائم وما دونها، على خلاف ما تعوده أمراء تلك البلاد من الاستبداد المطلق وعدم التعويل على رجال حكومتهم، وكادت تخلص حكومة الأفغان لمحمد أعظم بتدبير السيد جمال الدين، لولا سوء ظن الأمير بالأغلب من ذوي قرابته حمله على تفويض مهمات من الأعمال إلى أبنائه الأحداث، وهم خلو من التجربة عراة من الحنكة، فساق الطيش أحدهم وكان حاكماً في قندهار على منازلة عمه شير علي في هراة، ولم يكن له من الملك سواها، وظن الفتى أنه يظفر فينال عند أبيه حظوة فيرفعه على سائر إخوانه، فلما تلاقى مع جيش عمه دفعته الجراءة على الانفراد عن جيشه في مائتي جندي، واخترق بها صفوف أعدائه فأوقع الرعب في قلوبهم، وكادوا ينهزمون لولا ما االتفت يعقوب خان قائد شير علي، فوجد ذلك الغر المتهور منقطعاً عن جيشه، فكر عليه وأخذه أسيراً،